مقالات

القمة العربية والرمال المتحركة فى الشرق الأوسط 2025

✍️ يوحنا عزمي 

عندما سُئل السير إدوارد جراى ، وزير الخارجية البريطانى إبان الحرب العالمية الأولى ، عن توصيفه لطبيعة الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط من واقع خبراته العميقة فى فهم مجريات الصراعات والتحولات بالمنطقة أجاب بتعبير مقتضب ، لكنه بالغ الدلالة ، قائلاً : إنها « منطقة رمال متحركة باطّراد »

هذا التعبير وإن بدأ بسيطاً ، لكنه يحمل ملخصاً وافياً لمجريات الأوضاع فى منطقة تُبطن أكثر مما تُظهر ، وما يبدو فيها على سطح الأحداث لا يمثل سوى قمة جبل، أغلبه مطمور بعيداً عن الأعين، فضلاً عن أن مسارات الحركة فى منطقتنا التى تتوسط العالم ، وتتشابك أقدارها مع كل تعقيدات العالم من حولنا ، لا تخضع لخط مستقيم ، بل غالباً ما تكون مسارات الحركة فيها متعرجة ودائرية ، وأحياناً لا يمكن إخضاعها لشكل واضح ، فهى بالفعل أقرب إلى بحر واسع من الرمال المتحركة ، لا يعرف أحد إلى أين ستقوده خطوته التالية ، فاحتمالات النجاة فى منطقة الشرق الأوسط تتساوى دائماً مع احتمالات السقوط فى الهاوية.

أقول هذا ، بينما تترقب المنطقة وشعوبها قمة عربية طارئة ، تستضيفها القاهرة للتباحث حول ما يجرى فى المنطقة ، وهى قمة لا تقبل أنصاف الحلول ، ولا تصلح الألفاظ التقليدية التى اهترأت من كثرة الاستخدام فى وصفها ، ولا تكفى العبارات الدبلوماسية المعتادة فى معالجة ما نواجهه.

قمة القاهرة قمة فارقة بكل ما تحمل الكلمة من معنى بالنظر إلى خطورة الملابسات المحيطة بتوقيت انعقادها ، وما سيُطرح على طاولة النقاش فيها من تحديات جسام ، تستوجب مواقف ترقى إلى حجم الخطر وعظم التهديدات.

المنطقة ، ومنذ أكثر من 15 شهراً ، تقف على أطراف أصابعها ، تتحرك فى محيط صاخب من الحرائق ، لا تكاد النيران تخبو ، ولو قليلاً ، فى جبهة حتى تندلع فى جبهات أخرى ، فما تواجهه منطقتنا اليوم أكبر من مجرد حرب فى غزة ، أو عدوان على لبنان وسوريا واليمن ، أو تهديد لأمن مصر والأردن ، أو استهداف لثروات المنطقة ، إن ما يجرى اليوم محاولة لإعادة تشكيل المنطقة وصناعة واقع جديد ، يرهن مستقبل دول وشعوب المنطقة كلها من أجل منح مشروع التوسع الإسرائيلى فى المنطقة ما عجزت دولة الاحتلال عن تحقيقه طيلة 8 عقود.

والأخطر أن ما يدور فى منطقة الشرق الأوسط ، ويزيد من عنف وتهديد حركة رمالها المتحركة أصلاً ، تمتزج فيه حركة قوى داخل المنطقة (دول وميليشيات) مع حركة قوى دولية كبرى تحوّل المنطقة إلى رقعة شطرنج معقدة ، وتتناوب على تحريك ما تمتلكه من قطع عليها ، أملاً فى إحراز نصر حاسم ، أو على الأقل عرقلة تقدم الخصوم ، ورغم أن المنطقة كانت على مر التاريخ ساحة للتنافس الدولى ، لكن طبيعة وأدوات التنافس هذه المرة تبدو هى الأخطر والأكثر عنفاً ، وربما الأفدح أثراً ، على مقدرات شعوب المنطقة.

إذا ما حاولنا الاقتراب من صورة المشهد المرتبك فى الشرق الأوسط ، وبدأنا من البعيد إلى القريب ، فسنجد تنافساً محموماً بين قوتين كبيرتين تتزاحمان على قمة هرم النظام الدولى : الولايات المتحدة والصين ، الأولى حليف قديم لدول المنطقة ، لكنه اختار فى لحظة من تحولاته المعتادة أن يدير ظهره لهموم وصراعات الشرق الأوسط ، وأن يولى وجهه شطر الشرق الأقصى فى محاولة لحشد جهوده وطاقته لمحاصرة الصين ، فإذا به يجد الأخيرة وقد استطاعت أن تلتف لتبنى حضوراً لافتاً فى مناطق النفوذ الأمريكية القديمة، وأصبحت شريكاً موثوقاً لأغلب دول منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية بل وأطلقت مشروعات طموحة لبناء مستقبل من الشراكات، لا تعكره ذكريات التدخل العسكرى المؤلمة فى شئون بعض دول المنطقة ، ولا تنال منه انحيازات سافرة لدولة اغتصبت أرضاً ، وانتهكت حقوقاً مشروعة لشعب عربى كانت كل جريمته أن أقلام المستعمرين الغربيين اختارت وطنه ليكون جزءاً من «لعبة الأمم».

نعم ، واحدة من تعقيدات مشهد «الرمال المتحركة» فى منطقتنا ، أنها واقعة فى قلب تنافس دولى محموم ، واتخذ ذلك التنافس شكل الحرب التجارية فى مشروعين كبيرين ، الأول بدأته الصين قبل سنوات ، وهو مبادرة «الحزام والطريق»، فابتدعت الولايات المتحدة مشروعاً مناوئاً هو «ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا»، كوسيلة لمنع التغلغل الصينى فى المنطقة ، لكن الأمريكيين يدركون أن تعقيدات سياسية جمة تحول دون تنفيذ مشروعهم، وأن تحالفات قوية لدول المنطقة مع بكين – ربما – تضيف عقبات سياسية ، بالإضافة إلى الصعوبات اللوجيستية التى تحول دون تنفيذ المشروع.

لذا ارتأت واشنطن أن ما يجتاح المنطقة من اضطراب ، ربما يوفر فرصة سانحة لإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية ، وبما يخدم رؤيتها ، سواء بالعودة إلى المنطقة ، أو بعرقلة تغلغل منافسيها ، إضافة إلى سخونة حرب السيطرة على الممرات الملاحية العالمية ، وهى المعركة التى تدور رحاها فى منطقتنا ومن حولها ، وتؤجج من طبيعة الصراعات ، وتستقطب أطرافاً تبدو بعيدة عن المنطقة ، لكن الرغبة فى تأمين المصالح يدفعها إلى التواجد فى قلب العاصفة.

وينبغى ألا يُفهم ذلك التنافس على أنه الفاعل الوحيد فى صناعة مشهد «الرمال المتحركة» المعقد فى الشرق الأوسط ، فهذا التنافس ليس سوى أحد الملامح التى ينبغى أن تبقى واضحة فى أذهاننا ، عند التعمق أكثر فى واقع المشهد الإقليمى المرتبك ، فهو الخلفية التى تحيط بواقع المنطقة المتأزم ، وثمة مصادر للتهديد والخطر تحتاج أيضاً إلى تفصيل ، وفهم أعمق، كما أن أسباباً للطمأنينة ينبغى أيضاً التطرق إليها بحثاً عن فرص للنجاة.

ولعل أخطر ما تواجهه المنطقة اليوم هو محاولة لصناعة ما يمكن أن نطلق عليه «اليوم التالى» للشرق الأوسط كله ، وليس لقطاع غزة وحده.

صحيح أن مصطلح «اليوم التالى» ارتبط طيلة الأشهر الأخيرة بالقطاع الفلسطينى ، الذى يواجه أفدح معاناة إنسانية عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية ، لكن المصطلح صالح أيضاً للتعبير عما تموج به المنطقة من تحولات قد تقود إلى تغيير الكثير مما ظننا أنه بات من ثوابت الحياة فى المنطقة ، دون أن نفطن إلى أن أخطر ما فى «الرمال المتحركة» ، هو أنها تبدو ساكنة ، لكنها تخفى هشاشة تنفجر دفعة واحدة.

«اليوم التالى» فى منطقة الشرق الأوسط يحمل محاولة باتت مكشوفة لضرب قدرات الدول الوطنية، وتفكيك مؤسساتها ، لأن بقاء تلك الدول الوطنية بما تحمله من قدرة على تكوين إطار جامع لكل التكوينات البشرية لشعوبها (عرقياً ودينياً ومذهبياً )، يتنافى مع رؤية إعادة «فك وتركيب» المنطقة على أسس طائفية ومذهبية.

ورغم إدراك الكثير من الأطراف فى المنطقة لحقيقة تلك الرؤية ، لكن واقع الحال يشير إلى إصابة العديد من دول المنطقة بذلك الفيروس القاتل ، وتغلغل العدوى فى كثير من المجتمعات ، الأمر الذى يتطلب جهداً مضاعفاً لبناء «مناعة وطنية» قادرة على التصدى لمحاولات التفكيك ونوازع التفرقة.

وللأسف ، فإن ما جرى مؤخراً فى بعض دول المنطقة ، ولعل أحدثها ما شهدته سوريا الشقيقة ، يغرى كثيرين من هواة الصيد فى الماء العكر بأن يستخدموا ما جرى هناك لإيقاظ «فواعل الفتنة» على مسارين : 

الأول يتعلق بإشعال الصراعات المذهبية التى تمثل بيئة خصبة لاستدعاء التدخلات الخارجية ، والثانى يرتبط بـ »إعادة تعويم» تنظيمات التطرف والإرهاب ، التى تنتعش فى أجواء الفوضى ، وتستفيد من ضبابية المشهد وسيولته فى الدول التى تواجه عمليات انتقال سريعة وعميقة.

واللافت أن «إعادة تعويم» التنظيمات الإرهابية ترتبط بعملية دقيقة من تغيير الصورة الذهنية لتلك التنظيمات ، عبر التركيز على «القناع السياسى» المرن لتلك الميليشيات ، بديلاً عن «الوجه القتالى» العنيف لها، وهى محاولة لا تخلو من خبث واضح ، وربما تشجع بعض التنظيمات التى توارت إلى النسيان على العودة مجدداً إلى المشهد ، وتسويقها فى المجتمعات المحلية ، بعدما لفظتها ورفضت خطاب الكراهية الذى تتبناه ، وأدوات القتل التى تستخدمها.

هذه التنظيمات المتطرفة والإرهابية تعيد تقديم نفسها كقطع قابلة للتحريك على رقعة الشطرنج فى الشرق الأوسط ، ولا تجد حرجاً من الارتهان لمشروعات إقليمية ودولية غير عربية ، وفوهات بنادقها جاهزة للتوجيه نحو صدور أبناء أوطانها ، خاصة مع تخلى العديد من تلك التنظيمات عن شعارات «الجهاد العالمى»، وتبنيها لفكرة «العدو القريب» واستهدافها للجيوش الوطنية ، ومؤسسات الدولة ، باعتبارها ذلك «العدو» وفق زعمهم ، الأمر الذى يجعل من تلك التنظيمات أداة لا تزال صالحة للاستخدام من قبل أطراف خارجية ، عبر إنعاش طموحها الدائم بالوصول إلى السلطة ، على غرار ما جرى فى النموذج السورى.

أحد مصادر الخطر فى مشهد «الرمال المتحركة» بمنطقة الشرق الأوسط ، يرتبط كذلك بما يمكن أن نطلق عليه «صناعة الفراغ»، بمعنى اصطناع حالة من الاضطراب تقود إلى تغيير القوى الفاعلة فى المشهد الشرق الأوسطى ، وبالتالى إعادة ترتيب الأوراق بإدخال أطراف أخرى لديها الرغبة والقدرة على المشاركة فى تلك اللعبة الخطرة.

وهنا أعيد التذكير بأن منطقة الشرق الأوسط لا تتواجد فيها الدول العربية وحدها، بل تجاورها قوى إقليمية غير عربية، ترى فى الوضع الراهن بالمنطقة فرصة سانحة لاقتناص المكاسب وتمديد الدور ، ولدى كل من تلك الأطراف حساباته ومصالحه ، ولديه أيضاً أدواته ، قد يكون المشروع الإيرانى هو الأكثر تضرراً وتراجعاً جراء تحولات المشهد فى مرحلة ما بعد 7 أكتوبر 2023 ، لكن يبقى مشروعان إقليميان يسعيان إلى اقتناص الفرصة ، وهما المشروع التركى الذى يرغب فى الاستفادة من التحولات العميقة فى سوريا وتعزيز حضوره بأدوات ربما تبدو أكثر نعومة عما اتبعه فى أعقاب تحولات ما بعد2011.

ويبقى المشروع الأخطر لـ «اليوم التالى» فى الشرق الأوسط هو المشروع الإسرائيلى ، خاصة أن ذلك المشروع تقوده اليوم حكومة هى الأكثر تطرفاً وتطرفها لا يقتصر على البعد السياسى، وإنما يشمل كذلك أبعاداً دينية، تمتزج فيها الرؤى التوراتية مع الأطماع التوسعية ، وهو ما يؤدى ليس فقط لإشعال حرائق سياسية وأمنية ، بل يهدد بحرب دينية هى الأخطر فى أدواتها والأفدح فى تداعياتها ، ولا يخدم سوى تنظيمات التطرف الدينى التى تحاول أن تستثمر مشاعر الغضب الشعبية الرافضة لتلك الممارسات الإسرائيلية الهوجاء.

ولا توجد مؤشرات على أن الجموح الإسرائيلى فى المنطقة سيتراجع ، فهو يستند إلى مساندة أمريكية بلا كوابح ، ومواقف من جانب واشنطن لا يبدو أنها تلتزم بالأطر السياسية البراجماتية التقليدية ، التى تجعلها تدير سياساتها وفق حسابات المكسب والخسارة ، حتى وهى تدير انحيازها لإسرائيل كانت تاريخياً تُبقى عيناً مفتوحة على بقية مصالحها فى المنطقة، لكن من الواضح أن تلك الرؤية تواجه خللاً فى ظل وجود شخصيات فى الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى الرواية الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، وتسعى لمنح مشعلى الحرائق فى حكومة بنيامين نتنياهو الفرصة لمواصلة العبث بأقدار ومقدرات المنطقة كلها ، سعياً وراء أحلام مستحيلة ، وتصورات توسعية أقرب إلى الأوهام.

ورغم اليقين المستند إلى حقائق التاريخ بأن الأوهام الإسرائيلية مآلها إلى زوال مهما طال الأمد ، لكن ذلك لا يعنى أن غلاة المستوطنين ودعاة الحرب فى تل أبيب سيعمدون -على الأقل فى المستقبل المنظور – إلى الإنصات لصوت العقل ، أو إدراك حقائق التاريخ ، بل من المتوقع أن تواصل إسرائيل تحركاتها لتنفيذ مشروعها التوسعى، تحت مزاعم تأمين الدولة من التهديدات دون أن يدركوا أن مسلكهم الدموى والتوسعى فى المنطقة ، لن يخلق لهم سوى مزيد من التهديدات ، ويضاعف رصيد الرفض الشعبى إقليمياً ودولياً لهم ولمنهجهم الذى لا يوفر لإسرائيل أمناً ، ولا يضمن لها بقاء.

ولعل التعنت الإسرائيلى الواضح فى استكمال مراحل الهدنة فى قطاع غزة يقدم دليلاً دامغاً على نوايا الإسرائيليين فى عرقلة كل جهود السلام والرغبة المستعرة فى إبقاء المنطقة مشتعلة خدمة لمصالح شخصية لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية ، وطلباً لشعبية فى أوساط اليمين المتطرف ، ورغم الجهود الصادقة التى يبذلها الوسطاء وبخاصة مصر، إلا أن النوايا الإسرائيلية تبدو واضحة للعيان.

فى مواجهة هذا التمدد غير المسبوق لـ «الرمال المتحركة» فى الشرق الأوسط ، يأتى انعقاد القمة العربية الطارئة فى القاهرة بدعوة مصرية والتفاف عربى كبير ، يعكسان التقدير للدور والتحرك المصرى الواثق والفعال بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى ، ليس فقط فى التعاطى مع الأزمة الراهنة ، ولكن فى بناء جبهة عربية قوية يمكنها التصدى للتحديات الراهنة.

ولن تكون القمة العربية – اليوم – مجرد رقم فى سجلات جامعة الدول العربية ، بل أتوقع أن تكون بداية لتحرك يقود إلى بناء مشروع جماعى قادر على مواجهة «اصطناع الفراغ» فى المنطقة ، والتصدى لمحاولات أطراف إقليمية ودولية صياغة مستقبل المنطقة على مقاس مصالحها دون مراعاة للمصالح العربية أو مخاطر إعادة هندسة الإقليم عبر عمليات جراحية غير محسوبة ، لا تقود سوى إلى نزيف فى الدماء واستنزاف للمقدرات.

لعل الاتصالات والتنسيقات العربية التى سبقت القمة تجسد حالة استشعار الخطر لدى مختلف القوى العربية التى تدرك أن الخطر القائم حالياً خطر وجودى ، وأن التحرك للمواجهة فرض عين على الجميع. 

وسيكون على القمة العربية فى المقام الأول واجب قرع نواقيس الخطر فى آذان جميع الدول العربية ، وبيان حقيقة أن ما نواجهه من تحديات يفوق ويتجاوز فى تداعياته كل ما عرفه العرب فى تاريخهم الحديث والمعاصر ، فنحن أمام محاولات للتلاعب بالخريطة العربية ، وإعادة رسمها بأيادٍ لا تعرف للدماء حُرمة ولا ترعى للمواثيق عهداً ، ولا ترى فى التاريخ سوى صفحات صفراء سريعاً ما تحترق تحت لهيب دانات المدافع وقصف الطائرات.

ويدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تخص الشعب الفلسطينى وحده بل هى قضية العرب المركزية ، وأن مساعى تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم بمثابة عدوان على الجميع ، وهنا إشادة مستحقة وواجبة للدور المصرى والتحرك على جميع المستويات للحفاظ على الحق الفلسطينى والتحذير من خطر التهجير ، وحشد الموقف العربى والدولى لرفض هذا المخطط.

وإذا كانت مصادر التهديد معروفة وواضحة ، فإن أسباب النجاة أيضاً تكمن فى مجموعة من الثوابت التى يجب ويتحتم على الدول العربية التى سيلتئم عقدها فى القاهرة أن تتشبث بها ، وأول تلك الثوابت التمسك بالدولة الوطنية وسيلة وأداة لجمع الشعوب والحفاظ على مقدراتها ، والتصدى لجميع محاولات تفكيك الدول العربية واصطناع كيانات موازية تلعب دور «حصان طروادة».

وثانياً : إن الحل يجب أن يكون جماعياً ، فالصوت الجماعى قادر على تغيير موازين القوة ، لأنه يعتمد على حسابات القدرة المستندة إلى إخلاص النوايا وصلابة الإرادة والقدرة على الفعل ، فى عالم لا يحترم سوى الأقوياء.

كما تشمل أدوات التحرك البناء تبنى مقاربة عربية شاملة ، تتحلى بالواقعية والقدرة على استخدام أوراق الضغط المتاحة ، وكذلك التواصل الجماعى الفعال مع مختلف القوى الدولية ، وفى مقدمتها بالتأكيد الولايات المتحدة التى ينبغى أن يكون الخطاب العربى الموجه إليها خطاباً جماعياً قوياً ، ومعبراً عن الرغبة فى بناء علاقات ندية ، قائمة على الاحترام المتبادل ، وإدراك المصالح المشتركة.

كما ينبغى أيضاً توسيع نطاق التحرك العربى ، فهناك دوائر مهمة لا بد من إشراكها لتعظيم القدرة العربية ، ومنها دائرة التحرك الإسلامى والإفريقى، وكذلك الدفع باتجاه تغيير المواقف الأوروبية ، وتوضيح ما يمكن أن يطول مصالحهم من تهديد جراء السلبية أو الانحياز السافر لإسرائيل.

وينبغى كذلك التأكيد على ضرورة أن تكون هناك ضمانات حقيقية وجادة للجم إسرائيل ، وردعها عن هذا الإحراق المُتعمد والمتكرر لواقع المنطقة وأن إعادة إعمار قطاع غزة هذه المرة يجب أن ترتبط برؤية شاملة لمعالجة جذور الصراع ، وإيجاد بديل آمن ومستدام للواقع الهش الذى تعيشه المنطقة وينفجر مع كل بادرة توتر.

إضافة إلى توفير ضمانات دولية لتمتع الفلسطينيين بحقهم فى حياة إنسانية بلا تهجير أو تجويع أو حصار.

أثق فى أن القادة العرب لديهم ما يكفى من إدراك لطبيعة الخطر ومصادر التهديد ، وأن الإرادة العربية الجماعية يمكنها أن تقدم ما يكفى من أسباب الاطمئنان لشعوب تتوق لالتقاط الأنفاس ، وبناء قدراتها الذاتية ، من أجل صناعة مستقبل لا تمزقه الصراعات ، ولا تغتال أحلام الأطفال فيه شظايا الحروب ، ولا تشوهه طموحات الموتورين ، الذين لا هم لهم سوى إعادتنا إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!