✍️ يوحنا عزمي
بدأ العالم يستوعب صدمة الإختلاف ما بين ترامب الأول والثاني ، ما بين ولايته الأولى والثانية ، بل وحتى ما بين وعوده الإنتخابية وأدائه الرئاسي الذى لم يتنصل من ابرز الوعود بل يقوم بعكسها تماماً.
متى فقد الرجل عقله ؟ .. في تقديري شخصية يملكها جنون العظمة والزهو والكبرياء وحتى الغطرسة والغرور مثل دونالد ترامب فأن فاجعة عمره كانت الهزيمة غير المنطقية في إنتخابات الرئاسة نوفمبر 2020، خاصة مع مظاهر التزوير الفج والعلنية غير المسبوقة في تاريخ الولايات الأمريكية او حتى الغرب ، في هذه المرحلة يمكن القول ان هذا الرجل فقد عقله.
ثم أتى انتصاره في نوفمبر 2024 ليضرب عقله مجدداً ، ليس لأنه إنتصار ، ولكن تفاصيل الإنتصار ذاته، هذا التكليف والتكاتف الشعبي، ان ينتصر للمرة الأولى في التصويت الشعبي ، ان يظفر بأغلبية في مجلس النواب والشيوخ وان يصبح الحزب الجمهوري هو حزب دونالد ترامب والترامبية.
لعل طريقة تشكيله لحكومته توضح ما جرى لعقله ، حكومة فوكس نيوز كل مصوغات التعيين هو الإشادة بترامب ودعم ترامب وتبجيل ترامب إلى درجة العبادة.
الرجل الذى وعد ناخبوه بإنهاء كل الحروب ، ونزع فتيل ما أسماه الحرب العالمية الثالثة ، وعدم توريط الولايات المتحدة الأمريكية في حروب جديدة ، ينصب اليوم قاذفات جيشه في قلب المحيط الهندي في قاعدة دييجو جارسيا النووية الأمريكية البريطانية التي تقع في جزيرة تحمل الإسم ذاته تابعة لإقليم المحيط الهندي البريطاني ، إحدى أقاليم مملكة بريطانيا، وذلك من اجل غربلة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما طيرانه الحربي يواصل قصف اليمن ، ويوجه تهديدات غير مسبوقة إلى الدانمارك باستخدام القوة لضم جزيرة جرين لاند ، لنرى الولايات الأمريكية للمرة الأولى تهدد دولة عضو بحلف الناتو والإتحاد الأوروبي والقارة الأوروبية بعمل عسكري.
يتحدث بنفس اللهجة عن كندا ، الجار البريطاني القابع شمال الولايات الأمريكية ، يحلب أوكرانيا ثمناً للدفاع عنها أمام روسيا ، ويفعل الأمر ذاته مع تايوان أمام الصين ، ومع بعض الدول العربية أمام إيران ، يصدر فرمانات التعريفات الجمركية واحدة تلو الأخرى بحق الجميع ، خاصة المكسيك والصين ، وصناعات الأدوية والسيارات ، يواصل استفزاز الحلفاء وأصدقاء أمريكا اكثر مما يستفز الخصوم ، مصر وبريطانيا والإتحاد الأوروبي والأردن واليابان وكوريا الجنوبية والبقية تأتي.
حتى قرارات ترامب التي يمكن ان تتفق معها في الداخل الأمريكي ، أتضح انها أفكار بدون دراسات جدوي ، لم يحدد الآثار السلبية لقراراته على المجتمع وأنه حتى القرار الصحيح في بعض الأحيان يكون له اثر سلبي وحتى يحتفظ بصحته ولا يستبدل او يتم الغاؤه لاحقاً يجب ان يتم معالجة اثاره السلبية، الغاء وزارة التعليم والوكالة الامريكية للتنمية الدولية والوكالة الامريكية للإعلام الدولي وإلغاء الاف الوظائف الحكومية قرارات إيجابية ، ولكن ماذا عن هذا الطابور من البطالة ؟
عشرات الالاف يذهبون إلى صفوف البطالة في ظل مجتمع رأسمالي لا يرحم، يموج بمئات العصابات الاجرامية ، ودستور يكفل للغاضب ان يحمل السلاح ويشكل الميلشيات.
كانت مستشارة الأمن القومي ـ الجمهورية بالمناسبة ـ كونداليزا رايس تحدث دول الشرق بأن البطالة وقلة فرص العمل هي السبب في الإرهاب الذى صنعوه بالمناسبة ـ فهل حان الوقت لكى تخبر منظرة الحزب الجمهوري رئيس دولتها بالنصيحة ذاتها ؟
يسعى رجل فقد عقله إلى تلوين الكوكب كله بافكاره ، رؤيته الوحيدة الواحدة هي التي يجب ان تنفذ في كل مشاكل الكوكب ، أفكاره عن التعريفة الجمركية انها سوف تجلب التريليونات للإقتصاد الأمريكي سوف تسقط ، وحربه في غزة وإيران سوف تنسف وعوده عن السلام والتوقف عن الحروب.
واما ناخبوه ، فقد يلجئوا إليه إلا بعد ان رأوا هول الديموقراطيين خاصة المومياء المرحوم جو بايدن ، ولكن ترامب سهل على الديموقراطيين الكثير من الأمور اليوم ، فقط تيار عاقل يظهر من قلب الحزب تحت يافطة “الديموقراطيين الجدد” بدلاً من الحرس القديم ، وسوف ينهى كل شيء بداية من انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2026.
لسنا امريكان حتى نعلق آمالنا على رئيس أمريكي بعينه ، والسياسة المصرية اثبتت منذ عام 2020 انها تخطت فكرة انتظار اسم وحزب الرئيس الأمريكي ، تلك السطور ترصد فحسب رحلة ثرية في التفاصيل الإنسانية من رجل أبدى نوعاً من الحكمة في ولايته الأولى ، ثم فقد عقله تماماً في ولايته الثانية.