✍️ يوحنا عزمي
في مثل هذه الأجواء العربية والإقليمية العصيبة لا يريد العقل ان يخمد او يهدأ .. او ان يأخذ هدنة مؤقتة يبتعد فيها عن هذه المشاهد الصادمة والمروعة تلتي نعيشها مع أهلنا في غزة علي مدار الساعة ، وهي مشاهد تبعث علي الأسي والحسرة والاكتئاب .. واليوم أتساءل :
ماذا فعل إرهاب داعش والقاعدة والنصرة والجهاد وتحرير الشام وغيرهم من جماعات الإرهاب الدولي في العالم واكثرها توحشا وهمجية ، مما فعله فيها الإرهاب العنصري الإسرائيلي المدعوم أمريكيا إلي أقصي حد يمكن للعقل ان يتصوره ؟.
إرهاب القاعدة وهجومها علي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، هو من أعلنت عليه أمريكا حربا دولية كبيرة اسمتها حرب العالم علي الإرهاب وإدارتها بمفهوم الحرب الاستباقية الهجومية المبكرة حتي وان لم تتوفر أدلة قطعية كافية حول قرب انطلاقه من قواعده ومعاقله اينما كانت .. وصنفت الإدارة الأمريكية الدول وقتها بمعيار مشاركتهم او عدم مشاركتهم فيها ، ووضعت العديد منهم علي قوائمها السوداء ونالهم من غضبها عليهم وانتقامها منهم ما نالها من عقوبات وجزاءات.
هذه الحرب التي فجرتها أمريكا وشغلت العالم كله بها ، هي التي وصفها الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن الذي كان غارقا في هلاوسه الدينية بأنها كانت حربا صليبية جديدة ، اي حرب معتقدات واديان ، وهو ما لم يكن صحيحا بالمرة .. كان بإمكانه ان يصفها بأنها حرب من اجل تخليص العالم من شرور الفوضي والعنف والتطرف والإرهاب لجعله اكثر تسامحاً واقل عنفا وتطرفا وهدوءا وأمنا وسلاما واستقرارا .. لكنه لم يفعل وهو يعلم ان تنظيم القاعدة كان صناعة أمريكية خالصة وكانت بدايتها مع ما اسمته أمريكا نفسها بحركة المجاهدين الإسلاميين ضد السوفيت في افغانستان .. ولم تكن حرب إسلام ضد مسيحية او شيئ من هذا الهراء الذي حاولوا إقناع العالم الغربي به.
ومن هذا الوقت لم يستقر للعالم حال بحروبهم في العراق وافغانستان، وبمؤامراتهم وخططهم العدوانية تحت مظلة شعارات جديدة روجوا فيها لمشاريع الشرق الأوسط الكبير ومفاهيم الفوضي الخلاقة وما إلي غير ذلك من المفاهيم والافكار والنظريات ، الخ.
وكانت المنطقة العربية بالذات في بورة الاستهداف وعلي رأس قائمة المطلوبين .. كانت دائرة الاستهداف واسعة ومفتوحة وشملت بصورة مبدئية كلا من العراق وسوريا ومصر واليمن والسودان والصومال وليبيا وبلغت ذروه توحشها الآن في غزة علي يد الكيان العنصري الصهيوني الغاصب اسرائيل تمثل اقبح وجوه العنصرية واكثرها توحشا وبربرية واستفزازا في العالم.
مع داعش والقاعدة ، وهم من صنعوها واطلقوها ، اقاموا الدنيا ولم يقعدوها مع تظاهرهم بأنهم ضد الإرهاب ولم يكونوا في الحقيقة كذلك فهم معه لانهم اكثر المستخدمين له والمستفيدين منه وليس احدا آخر غيرهم بينما مع إرهاب إسرائيل باركوه ودعموه وامدوه بترسانة هائلة من كل أنواع السلاح وبالمال ، وكانوا هم اصحاب فكرة اخلاء غزة من شعبها وتهجيره منها لكي يقدموها علي طبق من ذهب لإسرائيل .. إسرائيل التي تبقي بالنسبة لهم فوق الشرعية الدولية ، وفوق القانون الدولي الانساني ، وفوق كافة مواثيق حقوق الإنسان ، وفوق المحاسبة والمساءلة ، الخ.
إسرائيل بالنسبة لهم حرة في ان تدافع عن أمنها وسلامة شعبها حتي وان كان طريقها إلي ذلك هو إعدام الشعب الفلسطيني وابادته بالقتل الجماعي وبالحصار والتجويع والترويع ، ومع إسرائيل يصبح ذبح الأطفال والنساء والشيوخ والشباب باكثر الأسلحة فتكا وترويعا في العالم حقا مشروعا لها. اما اطفال ونساء وشباب إسرائيل فهم قدس الاقداس لا يجرؤ احد علي ايذائهم او الاقتراب منهم ليخدش لهم اظافرهم ..
إسرائيل منحة إلهية للعالم ، اما العرب فهم أصل بلائه وتخلفه ومشكلاته وازماته .. الخ هذه الأسطوانة المشروخة المعادة والمكررة ، وبعدها يقولون في واشنطن أنهم اكثر الغيورين علي حقوق الإنسان والمدافعين عنها وانهم في حرب مستمرة مع نظم الحكم الدكتاتورية من اجلها ، وانهم مع كل القيم الإنسانية النبيلة في هذا العالم .. وكأنها تقول لنا نحن العرب موتوا بغيظكم. وهذا هو كل ما لكم عندنا وليت المخدوعين فيها عندنا يفيقون من غيبوبتهم ليفهموها علي حقيقتها بعد ان جعلوا منها صنما يعبدوه رغم كل ما تفعله فيهم ، وكان الله في عون غزة وشعبها وهو يحترقون وسط كل هذه الأهوال والنيران.