بقلم : داليا عبدالناصر
يبدأ الأمر غالبًا بلا مقدّمات… مجرّد ارتجافةٍ داخليّة لا تعرف من أين جاءت، تشبه إحساس شخصٍ يعبر غرفة لا يدري إن كان فيها أحد، شيءٌ يلمس الروح من الخلف، ثم يختفي فيترك في القلب سؤالًا لا اسم له.
ومن هنا يبدأ الغموض
فجأة يشعر الإنسان أنّه يجلس أمام نفسه كغريبٍ يدقّ بابًا يعرف أنّه لن يُفتح
يصغي إلى صمته… وكأنّه يسمع أكثر ممّا يقول.
ويحاول أن يمدّ يده نحو داخله، لا ليمسك شيء بل ليمنع السقوط فقط.
يهمس لنفسه بكلماتٍ يعرف أنّها هشّة، ورغم ذلك يقولها.
هل كان يحاول المواساة؟
أم كان يبحث عن معنى يختبئ في زاويةٍ لم يصل إليها الضوء؟
وأيّ ثقلٍ هذا الذي لا ينقص… مهما خفّفت منه بالكلمات؟
الغريب أنّه كلما حاول تهدئة روحه، انفتح داخله بابٌ آخر نحو عمقٍ لم يستعد له.
بابٌ لا يرى أحد ما خلفه، ولا يستطيع هو أن يشرحه حتى لنفسه.
كأنّ المواساة هنا ليست رفقًا… بل مواجهة.
ومَن يواجه نفسه لا يخرج كما دخل
يمشي داخل قلبه كمن يتتبع أثرًا لا يعرف صاحبه، وفي كل خطوة يشعر أنّه يقترب من شيءٍ لا يفهمه… ويهرب من شيءٍ لم يعترف به بعد.
الصراع ليس مع الألم… بل مع الصدى الذي يردّ عليه كلّما حاول أن ينسى وحين يظنّ أنّه لامس الهدوء، يدرك أنّه لم يجد راحة بل وجد طريق أعمق ليخبّئ موجاته
كأنّ الخدوش الذكيّة تتعلم كيف تصمت دون أن تشفى.
وفي النهاية، لا ينتصر، ولا ينهزم.
بل يخرج من نفسه بشيءٍ جديد
وعيٌ حاد بأنّ أكثر اللحظات ثِقَلًا هي تلك التي لم يسمعها أحد.
وأنّ الإنسان حين يواسي نفسه لا يصبح أقوى… بل يصبح أصدق
والاصدق هو الجزء الذي لا يراه أحد.
ليس كلّ ما يُربَّت عليه يهدأ،
وليس كلّ ما يُخفيه الليل يختفي…
لكنّ الإنسان يتعلّم في نهاية المطاف أن يحمل نفسه،
حتى لو كان الحمل هو السبب في انكساره.




