✍️ يوحنا عزمي
إسرائيل عايزة ايه تاني من الجنوب اللبناني حتى تبدأ في عملية برية محدودة او موسعة او حتى بقوات خاصة ؟
لازم في السريع نروح لمحطات في العلاقات اللبنانية الإسرائيلية وانا هنا بقول علاقات مش صراع .
لأنه إسرائيل لم تستهدف لبنان إلا بالعام 1968 فحسب حتى مع مشاركة لبنان ف حرب فلسطين 48 ووصول الجيش اللبناني بقيادة فؤاد شهاب لمشارف تل ابيب قبل الهدنة اللى وفرت لإسرائيل الحصول على سلاح ومعلومات قلبت بها المعادلة في معارك ما بعد الهدنة.
حتى لما إسرائيل احتلت مزارع شبعا في حرب يونيو 1967 كانت تظنها أرض سورية وليس لبنانية ودا مش عبط ولا جهل من إسرائيل ولكن المنطقة دي فضل عليها نزاع حدودى بين سوريا ولبنان وكانت مزارع شبعا بالفعل جزء من سوريا منذ الإستقلال وحتى حرب يونيو 67 .
لم يعترف البعث السوري ب لبنانية مزارع شبعا إلا عام 2000 حينما انسحبت إسرائيل من لبنان وبالتالي حجة الوصاية السورية الإيرانية بالتواجد في لبنان لحمايته من إسرائيل سقطت وبالتالي كان لازم يبقا فيه جزء لبناني محتل لتوفير غطاء شرعي لاستمرار بقاء سيطرة حزب الله في الجنوب ولبقاء سلاح حزب الله بعد إنسحاب الإحتلال الإسرائيلي.
طيب ليه إسرائيل لم تستهدف لبنان منذ 1948 ل 1968 او ما قبل 1948 حتى؟
الكلام دا ليس الغرض منه تخوين جزء من شعب لبنان او المسيحيين على وجه التحديد .. ولكن لبنان القديم او لبنان النصف الأول من القرن العشرين كان مفيد لرؤية الغرب وقراءة الصهيونية للشرق الأوسط أنه المنطقة لازم يتسيدها “القوميات الدينية” .
لبنان وطن قومي للمسيحيين وفلسطين وطن قومي لليهود وان نجاح تأسيس الموارنة لدولة علمانية في لبنان يقوي خطاب الدعاية الصهيونية بقدرة اليهود على تأسيس دولة علمانية في فلسطين.
وليس سراً ان الكثير من قادة لبنان نسقوا مع الحركة الصهيونية ثم حكومة إسرائيل .. الرئيس أميل إدة في الثلاثينات والاربعينيات والرئيس كميل شمعون في الخمسينيات واستمر شمعون في الاتصال بإسرائيل وقد زار إسرائيل سراً عامي 1970 و1977، كذلك الأمر بالنسبة للرئيس بشير الجميل.
بالتالى لبنان لم يكن هدفاً لإسرائيل في السنوات الأولى من عمر دولة الإحتلال .. كل هم الغرب وبالتالي إسرائيل وقتها كان التصدي للمد الشيوعي ثم المد الناصري لـ لبنان واستطاعت واشنطن ـ وليس تل ابيب ـ تصعيد زعامات لبنانية لمنصب الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة وقتذاك مثل فؤاد شهاب وشارل حلو وحتى سليمان فرنجية الجد بما يكفل ل لبنان عدم السقوط ف شباك المد الشيوعي والناصري ، وفى نفس الوقت هي حكومات لبنانية ليست معادية لمصر او الجوار العربي والشامي ل لبنان.
حصل ايه سنة 1968 خلى إسرائيل حتى اليوم تستهدف لبنان بأوامر غربية بحتة ؟
بداية من سنة 1968 .. بدأت الأمور تخرج عن السيطرة في المخيمات الفلسطينية في لبنان ، واحدة من ارتدادات هزيمة الدول الوطنية والحلم الناصري .. خد بالك المخيم الفلسطيني دا مش خيم زي ما البعض بيتصور دا حي كامل فيه عماير ومساكن ومصالح وممكن يبقا اكثر من حي ..
الأنظمة البعثية في سوريا والعراق بدأت تمول حركة فتح للسيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان وتبقا دولة جوا دولة ، الغرض العلني هو دعم المقاومة وتحويل لبنان إلى منصة للمقاومة ضد إسرائيل ولكن عملياً سوريا كانت في صراع دائم منذ بداية الاستعمار الفرنسي من أجل إضعاف لبنان وضمه إلى الحاضنة السورية مرة أخرى ووقتها النظام البعثي السوري شاف ان المقاومة الفلسطينية ممكن تبقا طابور خامس لسوريا في لبنان وهو اللى حصل فعلا.
اما العراق فقد رأى ان محاربة إسرائيل عبر لبنان افضل من انتظار محاربة إسرائيل في العراق.
بدأت عناصر فتح في السيطرة على مخيم نهر البارد في طرابلس شمال لبنان ، وللأسف السلوكيات مكنتش مقاومة بالمرة يعني مسلحين فتح اشتبكوا مع المدنيين وقصفوا قرى ف طرابلس مش راضية او موافقة على التعاون معاهم .
بالمناسبة ميلشيات حركة فتح ف مخيم بحر البارد انشقت عن حركة فتح لرئيسها ياسر عرفات باسم فتح الانتفاضة سنة 1983 في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية وبقا فيه حرب جوا المخيمات نفسها بين الفصائل الفلسطينية ..
وسنة 2006 انشق من فتح الانتفاضة تنظيم فتح الإسلام وبايع القاعدة ف اللى بدأ اشتراكي ومقاومة انتهي به المطاف أنه إرهابي حاول يقيم إمارة نهر البارد وقام بتمرد مسلح ما بين مايو وسبتمبر 2007 رفعوا السلاح ضد الشعب والجيش والدولة اللبنانية بس الجيش خلص عليهم.
وجود فتح ف لبنان سنة 1968 اعطي ذريعة لإسرائيل انها تضرب لبنان .. غارة إسرائيلية على مطار بيروت سنة 1968 كانت رسالة تحذير ل لبنان وأهله بالبعد عن اللعبة اللى شغالة خصوصا أنه قيادة لبنان في 1967 رفضت المشاركة في الحرب عشان كانوا عارفين كويس أنه اللى نادي بالحرب وقتها وجمع الدول العربية كانت شوية مسدسات صوت مش اكتر.
الأنظمة المهزومة في يونيو 1967 تقريبا صعب عليها أنه لبنان خرج سليم من المدعكة .. معلش انا يا أسمي الأمور بمسمياتها احسن ما اخدرك وافتح قسم بنج وتخدير .. الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية من جهة والحكومات في لبنان والأردن من جهة تانية كانت إشارة للحرب الأهلية اللى هتتسبب فيها المخيمات والفصائل الفلسطينية في لبنان سنة 1975.
حصل اجتماع القاهرة اللى انتج إتفاق القاهرة في 2 نوفمبر 1969 .. مصر ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، تم الاتفاق على تسليم الجنوب اللبناني للمقاومة الفلسطينية عشان تبدا عمليات استهداف الإحتلال في شمال فلسطين والجولان السوري.
عارض الاتفاق الكثير من القوى الوطنية في لبنان لأنه فعلا انتهاك لسيادة لبنان ، دا غير أن الإتفاق حمي سلاح المخيمات وشرعنه في وش اللبنانيين وبقت المخيمات دولة جوا دولة ورجع ياسر عرفات ل جنوب لبنان في موكب رئاسي بقا رئيس دولة الجنوب خلاص.
من سنة 1969 بدأ الصراع العسكري بين لبنان وإسرائيل.
المقاومة الفلسطينية في لبنان نادراً ما استهدفت إسرائيل أصلا. هي استهدفت اللبنانيين واتمزج النظام البعثي في العراق وسوريا من الأداء دا لانه نفوذ الفلسطينيين السنة ضرب نفوذ اللبنانيين الشيعة والمسيحيين وطبعا العراق البعثي كان عنده مشكلة مع تمدد نفوذ الشاه وسط شيعة لبنان وسوريا البعثية كانت رافضة الزعامة المسيحية المارونية ل لبنان وبالتالي كان التلاعب بالتركيبة السكانية اللبنانية بتوطين الفلسطينيين السنة هو الهدف الحقيقي لرعاية العراق وسوريا للمخيمات الفلسطينية في لبنان.
بعض الأطراف في الغرب بل بعض الأطراف في إسرائيل كان من مصلحتهم مشروع توطين وتجنيس الفلسطينيين في لبنان وبكدا يخلص من حدوتة حق العودة ..
يعني الإسم مقاومة فلسطينية بزعامة عرفات ودعم سوريا والعراق انما الفعل تنفيذ مبدأ صهيوني هو الوطن البديل نفس محاولة تهجير اهل غزة ل مصر دلوقتي.
وبرضو الأنظمة العربية ريحت دماغها من فكرة احتضان المقاومة وجودهم كان دايما دولة جوا دولة وكانوا هيسقطوا الأردن ويحكموها في أحداث أيلول الأسود. سوريا والعراق تخلصوا منهم برميهم ف جنوب لبنان.
سنة 1975 مجموعة من لا مؤخذة المقاومة الفلسطينية حاولت تغتال الشيخ بيير الجميل رئيس حزب الكتائب اكبر الأحزاب المارونية المسيحية وقتها .. دا سبب إندلاع الحرب الأهلية في لبنان للى بيقولك طائفية وعنصرية الشعب اللبناني .
لم تبدا الحرب بسبب فصيل لبناني ضد فصيل لبناني ولكن بدأت بين المؤيدين لتسليم الجنوب ل ياسر عرفات والمعارضين لتسليم الجنوب ل ياسر عرفات.
مش هتكلم في تفاصيل الحرب الأهلية وازاى كل فصيل تحالف مع فصيل تاني شوية وبعد كدا بقا ضده وان كل الفصائل اللبنانية تحالفت ثم حاربت بعضها البعض.
بس هنتكلم لسه عن لبنان وإسرائيل .. الإحتلال لسا ولحد النهاردة مش في مصلحته ان لبنان بالمعادلات المسيحية يسقط او يتم احتلاله .. دى توصية من أمريكا وفرنسا وبريطانيا .. التوصية رقم اتنين أنه أمن إسرائيل من المقاومة ممكن يحصل لو اتعملت منطقة عازلة في جنوب لبنان تحديدا جنوب نهر الليطاني.
وفعلا إسرائيل قامت بغزو الجنوب في مارس 1978. تم طرد منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات من جنوب الليطاني وأسست إسرائيل دولة لبنان الحر في المنطقة العازلة وكان فيه ميلشيات من أهل الجنوب بتحارب مع إسرائيل ضد الفلسطينيين مش مسيحيين اغلبهم كاثوليك مع أقلية مسيحية مارونية وكان معاهم برضو شيعة ودروز كمان .. اللى أسس الميلشيات دي كانوا ضباط في الجيش اللبناني وانشقوا عنه زي سعد حداد الرئيس الأول لدولة لبنان الحر وانطون لحد الرئيس التاني.
كان المفروض إسرائيل هتطارد المقاومة في شمال الليطاني في عملية مارس 1978 ولكن الرئيس المصري أنور السادات هدد أمريكا بالانسحاب من مباحثات السلام مع إسرائيل إذا لم تتوقف الحرب في لبنان واستجاب جيمي كارتر لمطالب مصر وتم فرملة الصعود الإسرائيلي للشمال وبقت حرب ال 7 أيام بس.
رغم هزيمة المقاومة الفلسطينية في لبنان وتأسيس دولة لبنان الحر ولكن فات المعاد أنه يتم إعادة جنوب لبنان للدولة اللبنانية او حتى ان تقوم إسرائيل بالسيطرة عليه ، عرفت الفصائل الفلسطينية ترجع تاني بقيادة ياسر عرفات ل جنوب لبنان واشتغلوا ف اشتباكات مع جيش دولة لبنان الحر .
جه الرئيس الأمريكي رونالد ريجان وجاءت معه مرحلة الحسم في الحرب الباردة ومخططات جديدة للمنطقة. أولها حرب لبنان سنة 1982 لما إسرائيل قامت بغزو لبنان ووصلت للعاصمة بيروت بعدها تراجعت للجنوب .
سنة 1982 كانت نهاية دولة المخيمات الفلسطينية في الجنوب كانت نهاية دولة ياسر عرفات في الجنوب بس الغرب الساعي للحفاظ على منسوب الفتنة في لبنان سلم اللعبة ل شيعة لبنان على رأسهم حركة أمل وحزب الله .. عشان اللعبة اتغيرت وبقا استنزاف لبنان أهم بكتير من استقراره بس بشرط أنه لا يختفي ولا ينهار .. يفضل لبنان الحزين الجريح وبس.
لبنان او سويسرا الشرق فيها مليارات الدولارات لحد النهاردة رغم انهيار العملة والاقتصاد ، وايدي عاملة ومتوسط العمر شباب .. كل دا طمع فيه الغرب لحد النهاردة عشان كدا موجات اللجوء اللبناني تحديداً مرحب بها في أوروبا و أمريكا.
سنة 2000 اللعبة اتغيرت تاني بس الأهداف كما هي ، انسحبت إسرائيل من الجنوب وفككت دولة لبنان الحر. بس دا كان مقدمة للإصدار الجديد من المؤامرة .. بلطجة حزب الله على كل مكونات الشعب اللبناني وهستيريا بشار الأسد للقضاء على أي زعامة سنية او مسيحية ممكن يبقا لها شعبية في سوريا على حساب نظامه .. الضربة الأولي كانت اغتيال رفيق الحريري ثم توالت الضربات .
وبدأت لعبة توزيع الأدوار بين إيران وإسرائيل في لبنان وكان حزب الله هو المنفذ لبنود اللعبة الأمريكية في تجميد لبنان مرة فراغ رئاسي مرة تأجيل الإنتخابات البرلمانية مرة تعطيل اعمال مجلس الوزراء الخاصة بالتنقيب عن غاز شرق المتوسط مرة تعطيل تشكيل الحكومة نفسها ومرات كتيرة اضعاف الجيش اللبناني وباللعبة دي.
وصل لبنان اليوم 2024 أنه بلا جيش او رئيس جمهورية او حكومة لأن حكومة نجيب ميقاتي لمن لا يعرف هي حكومة تصريف أعمال .
ودولة جوا دولة سواء دولة الجنوب او إمارة الضاحية الجنوبية هو الغرب عايز ايه اكتر من كدا أنه يشوف دولة ف الشرق الأوسط المستهدف معطلة ومتكتفة ومالهاش لا كبير ولا جيش وبقا لبنان ملعب بيستضيف مونديال الصراع بين المشاريع الإقليمية في الشرق الأوسط اللى محدش مستفيد فيها عملياً غير الغرب وامريكا.
حرب 2006 كان الغرض منها برضو هو المنطقة العازلة وطرد حزب الله من جنوب لبنان .. منطقة جنوب نهر الليطاني وصدر القرار 1701 وانسحب حزب الله لمساحة مدروسة قبل ما يرجع تاني بعد حرب سوريا 2011.
النهاردة في 2024 هدف إسرائيل في لبنان لسه زي ما هو حسب القراءة الغربية .. منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني وسيب الوسط والشمال اللبناني يتعارك ويتفاعل مع بعضه .. نجحوا وقدموا لبنان المفيد لنظرية القوميات الدينية ماشي .. فشلوا برضو مفيد للغرب عاشق الفوضى الخلاقة والحروب الأهلية ورأسمالية الكوارث والثورات الملونة وصولاً للحرب التقليدية الكلاسيكية ويبقا فيه موجة إسرائيلية جديدة تستهدف وسط وشرق لبنان.
حرب الـ 2024 .. هل ينجح مقاتلوا حزب الله في التصدي للغزو ولا الحزب انتهي كدا .. وايه هي معالم المنطقة العازلة في جنوب لبنان دا لو فعلا إسرائيل عرفت تنفذ الهدف دا .
هل سوف يتم تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 اللى بيدعوا الدولة اللبنانية لبسط سيادتها على الجنوب وان الجيش اللبناني يدخل جنوب لبنان للمرة الأولي من إتفاقية القاهرة 1969 ولا إسرائيل هتؤسس حكم محلي في جنوب لبنان موالي ليها زي دولة لبنان الحر ودا على ضوء أنه فيه نسبة مش بسيطة من سكان الجنوب شيعة ودروز وموارنة وكاثوليك عندهم استعداد للتعاون مع اى حد في الدنيا بس يخلصوا من الحكم الإرهابي الداعشي لحزب الله ف الجنوب.
مصير العملية الإسرائيلية في جنوب لبنان هو عنوان المرحلة المقبلة.
