✍️ يوحنا عزمي
لا يمكن فهم أيا من مفردات مسرحية طوفان الأقصى موسم 7 أكتوبر 2023 ، او الصراع الدولي بوجه عام ، إلا في إطار الحرب الباردة بين الصين والغرب ، ما بين طريق الحرير الصيني والممر الهندي الصهيوخليجي الأمريكي.
الصراع الإقتصادي بين الصين والغرب كما هو واضح هو صراع بحري .. صراع على الممرات التجارية البرمائية .. حرب المضايق واعالي البحار .. حروب الموانئ.
مسرح عمليات هذا الصراع يمتد من الشرق الأقصى (شرق آسيا) إلى الشرق الأوسط ، مروراً بدائرة الاندوباسفيك (المحيط الهندي ـ المحيط الهادئ) .. من مضيق تايوان إلى مضيق باب المندب .
الحرب بين الصين والغرب او حتى الولايات المتحدة الأمريكية سواء كانت حرب باردة او اقتصادية او حتى مواجهة عسكرية فإنها سوف تكون حرب بحرية في المقام الأول ، حتى تايوان الضربة الأولى في تلك الحرب ما هي إلا جزيرة على سواحل الصين.
تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى عسكرة البحر الأحمر واحتلال وتدويل مضيق باب المندب وخليج عدن ، ولكن لم يعد العالم كما كان قبل القرن العشرين ، يجب ان يكون هنالك حد أدني من شرعية تحرك الإستعمار الجديد عكس المساحات الرحبة التي كانت أمام جحافل الإستعمار القديم حتى مطلع القرن العشرين ، ولكن قيام الحربين العالميتين غير كل شيء.
يجب ان يكون هنالك شيطان يحاربه الغرب بأسم الحرية والديموقراطية والإنسانية ، ولأنه الغرب هو الشيطان ، فكان يجب إبتكار وكلاء للشر والشيطان على الدوام في المناطق المستهدفة .. حتى لو اختلف الغرب مع هذا الشيطان المصطنع بل ان الخلاف والعراك معه مفيد للمخطط.
ما بين إبتكار الإسلام السياسي واليهودية السياسية ، إسرائيل وإيران الخمينية والتنظيم الدولي للإخوان وغيره .. هكذا جرت اللعبة ، القاعدة وطالبان وداعش كانوا أسباب ذهاب الجيش الأمريكي إلى أفغانستان والعراق وحروب الربيع العربي.
واتي الدور على التنظيم الحوثي بترتيب مع إيران لإعطاء ذريعة للغرب من أجل الانتشار في هذه المنطقة ولعب دور “شرطي البحر الأحمر” امام الطرق البرمائية لطريق الحرير الصيني الجديد.
ولأن الحوثيين وحدهم لا يمكن ان يوفروا ذريعة لكل أساطيل الغرب ، كان الغرب بحاجة إلى شيطان اكبر ، هذا الشيطان جاهز وتربي في حظائر الغرب لسنوات وأصبح كارت محروق منذ سنوات هكذا تشعل إيران المحيط الهندي بإطلاق طائرة مسيرة على سفينة تجارية ذات علاقة بإسرائيل على سواحل شبه جزيرة الهند.
هكذا بجرة قلم ، أصبح مسرح العمليات وسط المحيط الهندي يستدعي الحماية الغربية الامريكية ، دائرة جديدة تضم خليج عمان وبحر العرب ومضيق هرمز والخليج العربي وخليج البنغال وصولا إلى مضيق موزمبيق في شرق افريقيا ، لتكتمل خارطة مسرح العمليات من مضيق تايوان شرقاً إلى مضيق باب المندب غرباً.
لعل البعض يتساءل ما هو دافع إيران للقبول بالتعاون وخدمة مسرحيات الغرب ؟
بعيداً عن حقيقة ان النظام الإيراني صنيعة غربية فأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعاني من ثورة شعبية منذ ديسمبر 2017، وصراع على السلطة وخلافة المرشد ، وصراع داخل اليمين او المحافظين المنقسم إلى جماعات ، وصراع بين المحافظين والاصلاحيين وهو المسمى الإيراني لليسار الإسلامي ، إلى جانب انهيار العملة الإيرانية ووابل من العقوبات الغربية على طهران وتجميد الأصول في الخارج وخنق تجارة النفط والغاز الإيراني.
وبالتالي فأن إيران مستعدة للتعاون مع الغرب في إطار تخفيف العقوبات ، رفع الحظر عن النفط والغاز الإيراني، فك تجميد الأصول الإيرانية ، وداخلياً بأن بعض الأجنحة المحافظة بما فيهم المرشد والحرس الثوري بحاجة إلى مواجهة كبري بهذا الشكل حتى يفرضوا كلمتهم على المجتمع وباقي الأجنحة السياسية تحت راية “لا صوت يعلو على صوت المعركة” في طقس ناصري بعثي يعشقه الإسلاميين ويطبقونه في كافة الدول التي تسلموا حكمها بتواطؤ من الغرب.
أين مصر وما هو موقفها وكيف تدافع عن البحر الأحمر أمام العسكرة والتدويل والاحتلال الناعم .. البحر الأحمر يعتبر تاريخياً بحيرة مصرية فأين مصر مما يجري؟
بداية .. يجب معرفة خارطة إنتشار القوات الأجنبية في البحر الأحمر ، تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جيبوتي وكذالك الصين ، اليابان ، وفرنسا التي تسمح لدول الإتحاد الأوروبي باستخدام قاعدتها في جيبوتي.
تركيا تمتلك قاعدة في الصومال ، الإمارات تمتلك قاعدة في اريتريا وقاعدة ثانية في جمهورية أرض الصومال ، بينما تمتلك إسرائيل قاعدة في اريتريا.
ما هي اكبر قاعدة عسكرية في حوض البحر الأحمر ؟. ليس أياً مما سبق ، ولكن قاعدة برنيس العسكرية التي تقع في قرية برنيس بمحافظة البحر الأحمر المصرية او شرق مدينة اسوان وافتتحها الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي في 15 يناير 2020 ، تم انشاء تلك القاعدة في زمن لا يتعدى سنة واحدة فحسب.
تبلغ مساحتها ١٥٠ ألف فدان ، وتضم :
• قاعدة بحرية.
• قاعدة جوية.
• مستشفى عسكري.
• عدد من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة.
• مطار برنيس الدولي.
• محطة لتحلية مياه البحر.
تضم القاعدة رصيفًا تجاريًّا ، ومحطة استقبال ركاب ، وأرصفة متعددة الأغراض ، وأرصفة لتخزين البضائع العامة ، وأرصفة وساحات تخزين الحاويات.
القاعدة الجوية تضم عدد من الممرات كل منها بطول 3 آلاف متر وعرض من 30 إلى 45 متر بالإضافة لهنجر عام لصيانة وإصلاح الطائرات.
اما القاعدة البحرية فتضم رصيف حربى بطول ألف متر وعمق 14 متر تسمح بمتطلبات الوحدات البحرية ذات الغاطس الكبير مثل الميسترال والفرقاطات والغواصات.
اذن .. مصر تمتلك اكبر قاعدة عسكرية في البحر الأحمر ، وتمتلك اليد الطولي رغم مسرحية تهديد الحوثيين لجنوب البحر الأحمر ومن قبلها مسرحية قراصنة الصومال ، ولولا تماسك المؤسسة العسكرية أمام جحيم الربيع العربي ، وامام الثورات الملونة ولولا إندلاع الثورة المصرية في 30 يونيو 2013 وصعود المشير عبد الفتاح السيسي ، لولا المشروع الوطني وبعث الأمة المصرية في سنوات السيسي وبرنامج التسليح المصري الذى قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي بكل صرامة بينما ما يسمى بالمعارضة المصرية تطرح السؤال الساذج “هو الرئيس بيشتري سلاح كتير كدا ليه”، لكان مسرح عمليات التدويل الجاري اليوم في باب المندب وخليج عدن قد انتقل من جنوب البحر الأحمر إلى شماله وتحديداً قناة السويس.
هي معركة النفس الطويل ، اللعبة التي برعت فيها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة عكس أنفاس أمريكا القصيرة ، انفاس شيخوخة جو بايدن وهيلاري كلنتون وجون كيري ونانسي بيلوتسي وبيرني ساندرز مقابل دولة استعادت حيويتها على يد ثورة البناء والتعمير والتطوير والتشغيل التي قادها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عام 2014 حتى تسترد اقدم أمة في تاريخ عظمتها امام أهل الشر.
الترتيبات التي تحاول الولايات المتحدة فرضها في دائرة المحيط الهندي من خليج البنغال إلى قناة السويس سوف تفشل، وقد بدأت الشركات الكبرى التي نقلت مسارها البحري من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح في الشكوى المرة.
وتكمن الشكوى في طول الطريق وصعوبته ، 15 يوم إضافي ، وابحار في مياه المحيط الهندي ثم المحيط الاطلنطي مقارنة بمياه البحر الأحمر وقناة السويس ، بحسب تقرير لشبكة CNBC الاقتصادية ووكالة رويترز البريطانية للأنباء فان موانئ المياه العميقة الكبيرة الأفريقية على طول طريق رأس الرجاء الصالح تفتقر إلى المعدات والتجهيزات اللازمة للتعامل والوقود والمؤن.
كل الموانئ .. مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا .. دربان وكيب تاون ونجورا في جنوب افريقيا .. والفيس باي في ناميبيا وبورت لويس في موريشيوس .. كافة موانئ طريق رأس الرجاء الصالح هزمت في حرب الموانئ أمام الموانئ المصرية في البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط.
تلك الموانئ التي كان يتم تطويرها بينما تنظيم الإخوان بأوامر من الغرب يقوم بتسريح لجان الكترونية وصياغة ديباجات عبر شاشة قناة مكلمين نسخة لندنستان للتسخين ضد تطوير الموانئ ، وان الدولة المصرية سوف تقوم ببيع الموانئ واهدارها، بينما الدولة المصرية على قدم وساق تحسم حرب الموانئ مع الخليج العربي وراس الرجاء الصالح في حين ان المغيبين والسوقة والغوغاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن بيع وانهيار واضمحلال.
مصدر من شركة Maersk الدنماركية قال في التقرير الصحفي المشار إليه ان الطقس الصعب في أعالي البحار خلال طريق رأس الرجاء الصالح يجبر السفن على استهلاك وقود اكثر مما تستهلكه في طريقها إلى قناة السويس ، بما يجعل خدمات التزود بالوقود ضرورية والشكوى الأساسية بسبب مضيق وقناة موزمبيق مصدر أعاصير تضرب حركة السفن في جنوب شرق افريقيا ، إضافة إلى البيروقراطية الأفريقية مقارنة بالموانئ المصرية وهيئة قناة السويس ، وضربت شركات الشحن العملاقة مثلاً بـ جنوب افريقيا التي قامت الصيف الماضي ، بسبب خطأ في إجراءات الجمارك والضرائب ، باحتجاز خمس سفن كانت تتزود بالوقود من الموانئ الجنوب أفريقية.
هي لعبة النفس الطويل ، مصر حسمت بسلاح الردع معارك حروب البحار والموانئ في محطيها الإقليمي ، صاحبة اليد الطولي في البحرين المتوسط والاحمر ، قناة السويس امر واقع على خارطة سلاسل الإمداد ، اما عن كافة مسرحيات أمريكا بالتعاون مع الحوثيين وحماس وإيران وحتى إسرائيل فهي موسمية فحسب ، سيناريوهات رديئة صنعت في وهوليوود تحاول أمريكا فرضها على مرمي سواحل بوليوود وسوف تسقط أمام حقائق ومعطيات رسمها القائد الأعلى للأمة المصرية في ضربات استباقية هادرة حمت مصر من نموذج اللادولة والفوضى الخلاقة والدولة الوظيفية الذى ينهش في نصف دول العالم دون مبالغة.