شريف جلال القصاص
طبول الحرب… ليست مجرد استعارة سياسية، تربط بالتصعيد السياسي بين الدول، فكما كانت الجيوش القديمة تبدأ معاركها بقرع الطبول لبثّ الحماس وإرباك العدو، ربما أعادت التكنولوجيا الحديثة صياغة هذه الفكرة، ليصبح اللحن مألوفًا، لكن تردده خفي، يخترق أعصابك ويزرع الخوف في داخلك… قبل أن تُطلق أول رصاصة.
عام 1958: في زمن ما بعد النكبة والعدوان الثلاثي، بثّت الإذاعة المصرية اغنية “يا حلو صبح”،لكن صباح المستمعين كان ثقيلًا: صداع، ضيق تنفس، شعور مراقبة، تحقيق مهندسي البث كشف وجود موجات تحت سمعية (Infrasound) لا يسمعها الإنسان لكنها تُحدث اضطرابًا جسديًا ونفسيًا، التقرير الرسمي وصفها بـ”خلل تقني”… لكن التاريخ كشف أن هذا لم يكن خللًا بريئًا.
بعد أعوام، وُجد لحن غير مكتمل لسيد درويش، تحليل الخبراء أثبت أن مقامه يسبب تضاربًا عصبيًا بين نصفي الدماغ، يجعل المستمع لحظيًا أكثر تقبلًا لأي فكرة تُزرع بداخله، لم يكن الأمر مجرد موسيقى… بل تجربة مبكرة في التلاعب الإدراكي.
عام 1973: قبل حرب اكتوبر وعبور القناة، اكتشفت أجهزة المخابرات أن إذاعات العدو، تبث ترددات منخفضة لنشر الخمول واليأس، باستخدام مقاطع مشابهة لـلحن “يا حلو صبح” ولحن سيد درويش، لكن مصر رصدته، وردّت بسلاح مماثل:
علماء الصوت وبمعاونة خبراء وأطباء نفسيين صمموا أغانٍ تحفيزية وأيقاعات مدروسة، واختاروا شعارات تكسر أثر البث المعادي.
وتحولت الإذاعة الوطنية إلى درع نفسي.
كانت “الله أكبر بسم الله” أكثر من أغنية… كانت رصاصة معنوية قلبت ميزان الحرب النفسية.
عام 2003، كشف الباحث البريطاني فيك تاندي أن تردد أقل من ١٩ هرتز يسبب هلوسات بصرية وإحساسًا دائمًا بالخطر، ما يعني أن الحان الخمسينيات والسبعينيات الغريبة، كان في الحقيقة طبول حرب صوتية مبكرة.
وقريبًا خلال جائحة كورونا، تبين: قفز استهلاك الفيديوهات القصيرة 90%، دراسات علم الأعصاب أظهرت أن الأصوات المتكررة والترددات المنخفضة تزيد الكورتيزول، ما يجعل الناس أكثر خوفًا واستعدادًا لتصديق المعلومات، ١٥ ثانية من مقطع موسيقي قد تغيّر مزاج أمة كاملة.
غزة: الحرب في شاشة هاتفك
واليوم وبينما تواجه الأمة حربًا مصيرية من أجل مقدساتنا وترابها الوطني، تُستخدم المقاطع القصيرة، الموسيقى المبطنة، والخوارزميات كسلاح نفسي:
لتصنع شلل نفسي جماعي.
تضخيم قدرات العدو.
تفكيك الدعم للقضية الفلسطينية.
هي نفس أدوات الماضي، لكن بدقة خوارزمية تستهدف كل فرد على حدة.
ثم انتقلنا من كون الإعلام قوة ناعمة إلى خوف ناعم، وطبول حرب تدك حصون دفاعتنا الذاتية، ونعلن بفخر الاستسلام كخيار استراتيجي أوحد.
“الخوف المفاجئ يمكن مواجهته، أما القلق الخفيف المستمر فيفتح عقلك لأي فكرة تُزرع فيه.”
إذا كان بثّ إذاعي واحد في الخمسينيات أربك الآلاف، تخيل اليوم: إشعارات، نغمات، وموسيقى مُصممة نفسيًا تُخاطب دماغك مباشرة.
الحرب القادمة قد لا تبدأ بصاروخ، بل بصوت تنبيه هاتفك.
لذلك عزيزي صاحب القضايا المصيرية لذاتك ووطنك، والاختبار الأهم للحفاظ على مقدساتك، انتبه !
راقب شعورك عند سماع موسيقى مألوفة تسبب قلقًا أو يأسًا بلا سبب.
قلل تعرضك للإشعارات والمقاطع السريعة.
اختر محتوى يرفع وعيك لا توترك.
تذكّر: وعيك هو خط دفاعك الأول.
في المرة القادمة التي يجتاحك فيها شعور باليأس بلا سبب… ربما تكون قد سمعت الطلقة الأولى في حرب لا تُرى.