مقالات

سياحة أم صناعة ؟

✍️يوحنا عزمي

هناك جدل صحي على بعض وسائل التواصل منذ يومين..

الجدل عنوانه “صناعة أم سياحة” وسببه رأي لإعلامي شهير

قال فيه إن الزراعة والصناعة لم تنجح في مصر خلال عقود وإن علينا أن نجرب السياحة..

الرأي استدعى ردوداً عديدة من مصريين ذكروا تجارب صناعية ناجحة لمصر في عهود مختلفة.. هذا نقاش هام وصحي والحقائق فيه متداخلة.. أول هذه الحقائق أن رأي الإعلامي الشهير يخصه وحده ولا يعبر عن موقف الدولة التي تعبر عنها تصريحات مسئوليها وأفعالهم.

وثاني هذه الحقائق أن الدولة تهتم بالصناعة اهتماماً بالغاً من خلال مبادرة “ابدأ” التي تقوم فكرتها على دعم الصناعة وتطويرها وإيجاد صناعات بديلة للمنتج الأجنبي ولها في هذا نشاط يستحق الإعجاب.

وثالث هذه الحقائق أن صادرات مصر غير البترولية قد شهدت زيادة معقولة في العامين الأخيرين لولا أزمة الدولار التي حدت من استيراد مستلزمات الإنتاج والتي وجدت طريقها للحل أخيراً.

ورابع هذه الحقائق أن السياحة لا تتعارض مع الصناعة كمصدر للعملة الصعبة لأنها هي نفسها “صناعة” ومشروع مثل رأس الحكمة مثلاً، سيؤدي إلى تشغيل مئات الصناعات حتي بناءه من الحديد و الأسمنت والدهانات إلى أصغر مستلزم من مستلزمات البناء والفندقة.

وخامس هذه الحقائق أن كلام الإعلامي عن تطور صناعة السياحة لا يخلو من وجاهة لأن ثورة الطيران والإنترنت وسهولة التنقل أحدثت انتعاشة جبارة للسياحة على مستوى العالم في آخر عشرين عاماً ومصر لابد أن تأخذ نصيبها من هذه الثورة السياحية الآن..

تماماً كما سعينا للحاق بالثورة الصناعية في عهد محمد علي باشا، ثم مرة أخرى في عهد جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي.

وسادس هذه الحقائق أن مصر منذ بدأت النهضة عقب الحملة الفرنسية مرت بثلاث مراحل أولها مرحلة الإستثمار الزراعي وقد نجح نجاحاً هائلاً حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى من خلال زراعة محاصيل إستراتيجية تصدر بالعملة الصعبة، ثم المرحلة الصناعية منذ الأربعينات وظهور صناعات مصرية مثل غزل المحلة وصناعات أجنبية على يد مستثمرين أجانب أسسوا اتحاد الصناعات ثم تاميم الصناعات ومحاولة الإضافة إليها في ستينات القرن الماضي، هذه التجربة لم تكتمل لسبب ذاتي وهو أن المجتمع الصناعي لابد أن يحكمه العلم ويؤمن بالتجريب، ونحن مجتمعات يحكمها الدين ولا نؤمن بالعلم المجرد.

وثانيها أن التجربة الصناعية على يد القطاع الخاص اجهضتها قرارات التأميم ١٩٦١، وأن التجربة الصناعية على يد القطاع العام اجهضتها نكسة يونيو، ثم الإهمال في إدارة القطاع العام وعدم تطويره أو الاستثمار فيه، ثم ظهرت في التسعينات صناعات نتميز فيها بميزات نوعية مثل الحديد والأسمنت وغيرها لكنها لم تحول المجتمع إلى مجتمع صناعي، ولم تحول الصناعة إلي مصدر أول للدخل القومي وأن ظلت تستحق التحية والتطوير والدعم..

من دروس التاريخ مثلاً أن الخديو إسماعيل في محاولته للنهضة أسس ثلاثة عشر مصنعاً لصناعة السكر الذي كان منتجاً استراتيجياً مطلوبا في العالم، ولكن محاولته باءت بالفشل لأسباب مختلفة منها عدم جاهزية العنصر البشري المصري وقتها للعمل في الصناعة وبالتالي فإن المواطن الغيور علي صناعة بلده يجب أن يعلم أن علينا أن ندفع ضريبة نجاح الصناعة ومهرها الغالي..

الإهتمام بالتعليم الحقيقي لا تعليم النجاح بالغش وتقفيل اللجان الإيمان بالعلم والبحث العلمي لا بالكرامات والتدين الشكلي المزيف إحترام الوقت والعمل وعدم اعتبار التغيب عن العمل حقاً من حقوق العامل، نشر الكليات العملية وإغلاق الكليات النظرية التي يقصدها الآلاف كل عام طلبا لمجرد شهادة والسلام..

هذه كلها وغيرها كثير تغيرات مطلوب حدوثها في المجتمع قبل أن نتهم الحكومة بأنها أهملت الصناعة دون دليل، ومطلوب حدوثها أيضًا حتى ننجح فعليا في الصناعة ولا يكون الأمر مجرد تفاخر بأن لدينا صناعة والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!