مقالات

الكارثة النووية المحتملة : هل تدرك المنطقة ثمن انزلاق إيران نحو السلاح النووي؟

✍️ يوحنا عزمي

في خضم التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل ، يُطرح سؤال ملح نفسه : ماذا لو امتلكت طهران سلاحاً نووياً وقررت فعلاً استخدامه ضد تل أبيب؟ 

هل ستكون الكارثة محصورة داخل حدود الدولة العبرية وحدها أم أن شظايا الانفجار ستطال المنطقة برمتها دون استثناء؟

وفق التقديرات العسكرية والعلمية ، فإن إطلاق رأس نووي واحد نحو إسرائيل كفيل بتحويل محيط الانفجار ، الذي قد يصل قطره إلى كيلومتر ونصف ، إلى رماد. كل شيء ـ بشر ، حجر، نبات، حيوان ـ سيتلاشى في لحظات تحت حرارة تقارب ملايين الدرجات المئوية. ناطحات السحاب ستذوب ، والهياكل الفولاذية ستنصهر، والأجساد البشرية ستتبخر. هذه هي فقط المرحلة الأولى المعروفة باسم “الانفجار الفوري”.

ثم تأتي المرحلة الثانية ، الأخطر ربما “الانفجار الصوتي”، حيث تمتد موجات الضغط الهوائي والصوتي لمسافة قد تصل إلى 6 كيلومترات ، مدمرة كل ما يعترض طريقها : الجدران ، السيارات، النوافذ ، الأبنية. كل من يتواجد في هذا النطاق سيلقى حتفه بالحرق الفوري أو الانصهار البطيء ، أما أولئك الذين ينجون مؤقتاً فسيلقون معاناة مريرة قبل أن يستسلموا للحروق والإصابات المميتة.

ولا تنتهي المأساة هنا ؛ تبدأ بعدها مرحلة التسرب الإشعاعي ، التي لن تقتصر على إسرائيل فقط ، بل ستمتد لتطال الأراضي الفلسطينية ، بما فيها القدس والمسجد الأقصى ، وستلحق ضرراً بالغاً بشبكات الكهرباء، مياه الشرب، والهواء. وسيجد الشرق الأوسط نفسه في مواجهة موجة أمراض سرطانية وتشوهات وراثية تستمر لأجيال ، مع تلوث بيئي كارثي لا يعرف حدوداً : مصر، لبنان، سوريا، الأردن ، بل وربما دول الخليج وشمال إفريقيا ، جميعها ستتأثر بسحب الإشعاع المنتقلة مع الرياح ، حاملة معها الموت البطيء.

المرحلة الرابعة هي الأخطر على المدى البعيد : “السحابة النووية الرمادية” التي قد تحمل الإشعاعات عبر الأجواء إلى مناطق بعيدة كالسعودية والعراق واليمن ، وربما حتى أوروبا وشمال إفريقيا، ممطرة سماء هذه الدول بأمطار مشبعة بالمواد المشعة ، لتحول الأراضي والبحار إلى بيئات ملوثة لسنوات أو عقود قادمة.

من هنا نفهم لماذا تصر القوى الكبرى ومجلس الأمن على منع انتشار السلاح النووي بين الأنظمة التي توصف بالمتهورة أو الإرهابية. فالعقيدة المتطرفة ، التي ترى الموت غاية ووسيلة لن تتردد في الضغط على الزر النووي إن وجدت الفرصة. وهنا تكمن خطورة وصول السلاح النووي إلى أيدي جماعات لا تؤمن بالحياة ، بل تتخذ الموت وسيلة لتحقيق مآربها.

الذين يسخرون من تحذيرات المجتمع الدولي ، أو يشمتون في خطوات القوى العظمى لضرب هذه المشاريع الاستباقية، يغفلون الحقيقة الكبرى: أن هذه التدخلات لا تهدف لحماية إسرائيل وحدها، بل لحماية البشرية جميعاً من كارثة شاملة لا تبقي ولا تذر.

هذا هو الفارق الجوهري بين من يقدس الحياة ويسعى لحمايتها حتى بالقوة ، وبين من يهلل للموت ويشجعه ولو كان الثمن فناء الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!