✍️ يوحنا عزمي
لو نجحت حكومة دكتوى مصطفي مدبولي في تعويم البورصة المصرية لاقتربنا كثيراً من الضوء في آخر النفق ، لو نجحت في ان تجعلنا نقرأ خبر ( البورصة تحقق ارباحاً قيمتها كذا ) كل يوم لمدة عام كامل لسجلت أسمها في التاريخ كواحدة من أنجح حكومات مصر ، أما إذا لم تنجح فإن عليها ان تراجع نفسها كثيراً في سياستها وطريقة عملها ورؤيتها للاقتصاد في هذه المرحلة .
البورصة هي الطريقة التي يستثمر بها الناس في الصناعة والزراعة وكافة نشاطات الإنتاج ، ينجح مصنع ما ، فيشتري الناس أسهمه مما يمكنه من ان يتوسع ويواصل النجاح ، وفي نهاية العام يحصل المساهمون علي الأرباح مكافأة لهم علي الاستثمار الجيد ، ويوظف المصنع مزيداً من الناس لأنه توسع بأموال مشتري الأسهم ، ويوفر مزيداً من العملة الصعبة اما لأنه انتج بضائع محلية بديلة للمستورد او لأنه صدر بضائع مصرية للخارج .
ما أقوله يعرفه أي مهتم بالإقتصاد لكن لا يعرفه المواطن العادي لأن ثقافته المالية غالبا صفر .. المواطن العادي في سالف الأيام لم يكن يعرف من أشكال الادخار سوي شراء العقار بقدر ما يستطيع او وضع أمواله في شهادات البنوك والاستناد للعائد ،ثم في السنوات الأخيرة الادخار في الذهب ، الذي هو ايضاً سلعة مستوردة يشتريها التاجر بالدولار ويبيعها للمواطن ليحتفظ بها تحت البلاطة حتي يحتاجها ، العقار والذهب من اشكال الاكتناز ، نقود مجمدة لحد كبير ، ثروات يملكها الناس مع وقف التنفيذ ، مئات المليارات مدفونة في شاليهات لا يستعملها أصحابها سوي أسابيع كل عام ومثلها سبائك الذهب والحلي التي تقدر بتريليونات الجنيهات ثروة معطلة لأننا لا نملك ثقافة الاستثمار أولا ، ولأن الواقع ليس ورديا لمن يريد ان يمارس نشاطا اقتصاديا دون واسطة او معرفة او هذا هو الانطباع العام الذي لم تغيره الحكومة رغم توجيهات الرئيس .
لذلك فالحل هو ان يشتري المواطن اسهماً في المشروعات الصناعية التي نجحت بالفعل، وتغلب أصحابها علي المعوقات لأنهم موهوبون في الإدارة وكسب المال ، هذه موهبة لا تتوفر للجميع ، لو عرضنا قيمة العقارات التي يملكها المصريين علي إيلون مسك اغني رجل في العالم لاتهمنا بالجنون ! لأن هذا الرجل يرفض ان يشتري بيتاً ويسكن بالإيجار .. أنه صاحب وجهة نظر ، هو يري ان شراء منزل غال اكتناز لا لزوم له ، واحتجاز لأموال يمكن ان يستغلها في مزيد من المشاريع ومزيد من الإستثمار .
إننا لا يمكن ان نجتاز الأزمة المالية دون ان يكون لدي المواطن ثقافة الاستثمار ، ودون ان نعلمها لأولادنا في المدارس ، والبرامج ومسلسلات رمضان .. ان المواطن لدينا لا يعرف البورصة سوي من تلك الجملة في الأفلام القديمة التي يقول فيها البطل أنه خسر أمواله في البورصة ! دون ان يقول أنه ربح أمواله منها أيضاً .
هناك ورقة مكتوبة بخط اليد يتم تداولها علي وسائل التواصل يدون فيها مواطن ( يفترض انه فقير ) تكاليف الزواج بالتفصيل ويجمع المبلغ ليجد أنه اثنين مليون جنيه ، وبالتالي يقرر ان لا يتزوج ! من ضمن التفاصيل مثلا خمسين الف جنيه تكاليف ليلة الحنة ! وخمسة عشر الف جنيه فستان فرح ! هذا المواطن لو ثبت وجوده فعلاً مختل عقليا واقتصاديا ً لو استثمر هذا المبلغ بنجاح في البورصة مثلا (بافتراض ان الحكومة تديرها بنجاح ) لأصبح غنياً بعد سنوات قليلة ، لكننا تربينا علي ثقافة الاستهلاك ، وعدم إضافة قيمة للنقود ، وانتظار الفرج علي يد الدولة ، او علي الأقل هذا ما حدث منذ سيطرة الدولة علي الاقتصاد مقابل تعهدها بتوظيف الناس وتوفير احتياجاتهم.
الوضع تغير الآن في العالم كله ، لا يمكن ان تسيطر الدولة علي الاقتصاد أبدا ، ولكن يمكن ان تملك شركات ناجحة تطرحها في البورصة مثلها مثل غيرها ، ولا يمكن ان ننتظر المستثمر الأجنبي في البورصة ولدينا تريليونات الجنيهات مختزنة في صورة عقارات وحلي وسبائك ذهب ، الحل ان نبتكر كل ما يمكن لتصدير كل العقارات المكدسة لدينا بالبيع والإيجار وبالتحويل لفنادق من فئات مختلفة ، وان نأتي برئيس يستطيع إدارة البورصة بنجاح حتي لو لجئنا لمدرب أجنبي بدلاً من مدرب المنتخب الذي يحصل علي الكثير وينجز القليل .
لابد من تحويل النقود التي يكتنزها المصريون تحت البلاطة لأسهم في شركات تصنع وتزرع مع توفير المناخ الملائم لنجاح هذه الشركات وظهور غيرها .. اما إذا لم تستطع الحكومة ذلك فعليها وقتها ان تعطي الفرصة لمن يستطيع .