رحمة خميس
ألهث في هذه الدنيا وراء ضالتي المفقودة، أهرول هُنا وهُناك للبحث عن أملي وحياتي، عن قلبي الضائع.
لم أجده مع البشر الذين لهثت ورائهم كالتائه، كتابع وراء القطيع الذي يقوده من ترك عقله وراء ظهره.
“خلق الانسان من علق”
ترددت هذه الآية على مسامعي العديد والعديد، أننا علق صغير ضعيف للغاية، تائه وسط معترك يبحث عن قوة أكبر لتحيطه.
خلقنا الله من علق لنظل تحت جناحيه، ألا نبحث عنه بعيدًا وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.
أدركت أنني علق تائه بعيد عن خالقه، علق عالق بين الثرى، بين الحياة والموت، وبين ترددي الدائم للعودة لخالقي.
ها أنا أسجد بين يديه في ظلمة الليل قبل بدء خيوط الشمس بالظهور، أجثو على ركبتي، وأخفض رأسي وجناحاي بين يدي رحمته، لينساب مني فيض دموع أبت الخروج أمام البشر، لتنساب دموع الرحمة بين يدي خالقها؛ ليُنقذ ما تبقى مني.
“انتظرت نومُ هانئ للجميع؛ لأخلو بين يدي رحمتك،
كم انتظرت كثيرًا أن أشعر بهذه الراحة التي سعيت جاهدة لأجدها مع البشر،
لكنني وجدتها بين عطاؤك، وانقاذك لي في كل حين.
اللهم يا رب الدهر، ويارب كل زمان ومكان، أشكو إليك بثي وضعفي، أشكو إليك ضعفي وقوتي، أشكو إليك هواني على الناس،
أتيتك حزينًا مما أصابني من خذلان، وأنت وحدك الملاذ، ولا تخذل من التجأ إليك،
اللهم إنني أريد الاكتفاء بك لا منك،
أجعلني بين يديك رحيمًا بنفسي، واكتفي بك عن العالمين”.
لحظة في حضرة النور
افيق غفلةً لأجد من يمسح على رأسي بحنان غير مسبوق،
يدٌ ناعمة لم أتحسسها من قبل،
استيقظتُ معها على صوت مألوف كأنما في أعماقي منذ الأزل.
لأفتح عيني، فأرى أمامي وجهًا كتمام القمر، نورانيًا، يبدد كل ظلمة في قلبي،
ملامحه تحمل حنانًا، كأنما حنان العالم اجتمع بهذا الوجه ذو النور،
كأنما في نظرة واحدة منه تغفر للعالم بأسره.
انتفض من نومتي عاجزة عن النطق لينظر لي وكأنما عينيه تثبتني بأرضي،
عينان يفيض منهما حبٌ وحنان
يعجز العقل عن سبر غوره.
ليتحدث قائلًا: “السلام على من تناديني كل ليلة، بسم الله، بسم الله، بسم الله”.
ما هذا الصوت الذي يحمل طمأنينة العالم في يوم قائظ؟
كلماته مفاتيح لتفتح أبواب الجنة معها.
أهذا حقًا رسول الله؟
نعم، إنه كالوصف الذي سمعته العديد والعديد من المرات، وها هو الآن يتجسد أمامي برهبة لا توصف.
تجسيد للرحمة الإلهية، تلاشت معه كل أحزاني،
كأنما العالم صمت في حضرته، وقلبي نبض بمعنى جديد للحياة.
أردت البكاء، لكنها لا تليق بهذا المقام في حضرته،
أردت التحدث، لكن الكلمات هربت مني، فكل ما يمكن قوله بدا ضئيلًا أمام هيبته.
حديث عقلي لا يقف وكأنما أخذ هذا الحديث الداخلي أعوام وليس لحظات،
قال معها سيد الخلق: ” آيات من الله أُبلغك إياها، واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا”.
ثم وضع يده الشريفة فوق رأسي وقال: “بسم الله، بسم الله، بسم الله،
استبشر، استبشر، هيا صلاة الفجر”.
وما هي إلا لحظات وأجد أذان الفجر مُعلنًا عن قدومه، ومعها استيقظ من هذا الحلم، من هذه اللحظات التي رأيت بها نور تمنيت لو عانقته للأبد.
في تلك اللحظة، أدركت أن النور الحقيقي ليس الأفق، بل القلوب التي تشرفت بأن تكون قريبة من رسالته.
لو كان باستطاعتي أن أصفه بكلمة واحدة، لقلت أنه “الحب الضائع”.
الحب الذي فقدته وسط معترك الدهر، إنه حُب الله ورسوله،
لكنه ليس مجرد كلمة،
إنه إحساس يملأ الروح،
الحب الذي يعيد تشكيل أرواحنا التائهة ويمنحها أملًا لا ينتهي رحمة الله وحبه.
لقد كان حقًا، ليس مجرد “الحب الضائع”، بل الحب الذي وجدت معه نفسي من جديد.