أحمد المقدم
هل كان ما قالت سايمون دو بوفوا (١٩٠٨-١٩٨٦): “إن المرأة لا تولد امرأة، ولكنها تصبح كذلك” مجرد رأي أم أن ثمة تنظير كان يتقلب بين طيات هذه العبارة؟
كانت المرأة في عصور الجهل الوسطى ينظر إليها على أنها في منزلة أدنى من الرجل في هرم التصنيف. فقد كان ينظر إليها على أنها لا تعدو كونها متاعًا لخدمة الرجل وهو الكائن الأسمى. أما في مطلع القرن المنصرم، فقد أقام النمساوي سيجموند فرويد (١٨٥٦-١٩٣٩) مذهبه التحليلي النفسي على قاعدة أن المرأة إنما هي هدف يرنو إليه الرجل في تخوم رغبته. أما المرأة، فعليها الإقرار بما لدى الرجل من قوى لا تملكها حتى يصير الطفل منكبًّا على تعلقه بالأب دون الأم، ذلك الكائن الضعيف الذي لا يقدر على الخروج والانخراط في نسيج العالم الخارجي.
وقد انبرى للدفاع عن المرأة الكثير منذ أن أظهرت الإنجليزية ماري وولستونكرافت (١٧٥٩-١٧٩٦) عملها النسوي الأول في الدفاع عن حقوق المرأة حتى تطور الفكر النسوي وصار يحتل مكانه في شتى المجالات.
والحقيقة أن ما نطالع يوميا من نظريات و محافل وأحاديث و نقد وآراء نسوية لا نجد سوى أنها محاولات باطنية للتصدي ضد الرؤى التي تبناها المجتمع البدائي في العصور الوسطى وهدم بنيان أساسه ما قد افترضه فرويد. وعندما كان الدين من منظورهم قائما على الفصل بين الرجل والمرأة، ولم يحاول الوصل بين النفس والآخر، فقد تبنى النسويون المبدأ العلماني في وضع أسس نظرياتهم الأكاديمية ونهجهم النقدي لدعم مذهبهم.
فقد رأى النسويون أنه لسنا بحاجة إلى النظر إلى الانقسام الحادث بين تشريحية المرأة والرجل، وعليه فإننا في غنى عن توجيه الاعتبار إلى مصطلح “الجنس” ولكن الأَولى هو التركيز على الظواهر الاجتماعية المختلفة والتي يجب أن نوجه خلالها نظرنا صوب “النوع”، بمعنى آخر، فمن محدودية الفكر بمكان أن ننظر إلى الرجل على إنه” ذكر” والمرأة على إنها “أنثى” وإنما ينبغي أن نوجه اعتبارنا صوب “ذكورية الرجل” و “أنوثة الأنثى” فالمجتمع الناجح عند النسويين لا تغلب فيه الذكورية على الأنوثة. بل إنه من الممكن أن نرى رجلًا يؤمن بالفكر النسوي كما كان هنريك إبسن (الكاتب المسرحي النرويجي الذي تأثر به كثيرا جورج برنارد شو). فإذا وجَّهنا النظر إلى النوع كظاهرة اجتماعية، تتحول العلاقة بين النفس والآخر إلى علاقة قد وصفتها جيسيكا بينجامين (١٩٤٧-…) في نظريتها المسماة بالذاتية المشتركة على انها علاقة بين ذاتين مستقلتين لا يطغى أحدهما على الآخر.
وإن كانت العلمانية في منظور النسويين هي الوسط الأمثل لتحقيق هذا المطلب، يظل الدين في منظورهم في منأى عن الوصول للغاية هذه.
لقد توارى الفكر المسيحي خلف حجاب النسيان في مسألة قدرته على تحقيق مساواة النوع بعد أن أثبت سواد الشرائع الأخرى فكرها المتصلب الذي لا ينظر إلى المرأة أصلا. وعندما طرح السؤال مديدا حول ما كان هناك دين يمكنه أن يكون ضامنا لتحقيق مساواة النوع و استقلالية النفس والآخر في علاقة الرجل والمرأة، لم يغب الإسلام عن ساحة النقاش و لايزال مطروحا على المائدة.
والمتأمل في مدى تطابق الإسلام، كنظام اجتماعي شامل يقوم على مبدأ التجديد والقياس والاجتهاد وتجديد الخطاب الديني، وليس قاصرا، كما يزعم بعضهم، على البيئة العربية بصورتها النمطية التي لم تختلف فيه المرأة عن نظيرتها في عصور الظلام الوسطى الذي ذاقت المرأة في أطاره الثيوقراطي صنوفا من ويلات القمع والتهميش.
فإذا كان بيت القصيد هو أن تصبح المرأة كائنا حرا مستقلا بكامل صلاحياتها وكذلك لكى يصبح الرجل كذلك، وان ذلك هو الدَّر الذي ننتهي إليه إذا ما غصنا إلى عمق القضية، يبقى الإسلام هو الغلاف الأمثل للوصول لهذا المأرب. فلا الرجل يظل رجلا مستقلا ولا المرأة تصير مستقلة كرجل إلا إذا تحقق جوهر الدين كنظام اجتماعي شامل قويم.
فإذا أراد الرجل أن يحقق ذاته وأن يستقيم دينه، فعليه أن يحترم المرأة ويقدرها. وكذلك لا يستقيم حال المرأة إلا إذا أقامت حريتها واستقلاليتها على أساس العبادة المتمثلة في اواصر الود والاحترام المتبادل مع الرجل حتى تصير كما يقال بأنها: امرأة بمائة رجل.