✍️ يوحنا عزمي
يبدو لي أن الرئيس فلاديمير بوتين ، بعد ما يقترب من أربع سنوات كاملة على اندلاع الحرب في أوكرانيا ، بات مطالباً أكثر من أي وقت مضى بالبحث عن سبيل يخرج بروسيا من هذه المواجهة الطويلة والعنيفة. فالحرب، بطبيعتها القاسية، تحولت إلى صراع استنزاف بطيء يمكن أن يمتد لسنوات إضافية، حاملاً معه ضغوطًا اقتصادية خانقة وخسائر بشرية ومادية ، إلى جانب أعباء نفسية ومعنوية تتعمق يومًا بعد يوم. فمهما تعددت التبريرات والذرائع ، تظل الحرب حرباً بكل ما تحمله من كلفة وخراب لا يمكن إنكاره.
ويعرف بوتين ، أكثر من أي طرف دولي آخر، أن دول الناتو والإتحاد الأوروبي ماضية في موقفها بلا تردد ، عازمة على دفع هذه الحرب إلى أقصى مداها بحجة إزالة ما تعتبره تهديدًا روسياً لأمنها. ولذلك تواصل هذه الدول تشجيع أوكرانيا ورئيسها زيلينسكي على الاستمرار في القتال رغم الخسائر الهائلة التي تتكبدها كييف، والتي يصعب حصرها. فبالنسبة لهم ، تبقى أوكرانيا مجرد أداة وواجهة تتحرك بالنيابة عنهم ، تمكنهم من تجنب خوض مواجهة مباشرة وواسعة مع روسيا قد تتحول إلى حرب نووية عالمية ثالثة، وهو سيناريو يدرك الجميع أنه سيجر الخراب على أوروبا والعالم بأكمله. ولهذا لا تتوقف الدول الغربية عن ضخ المال والسلاح وكل أشكال الدعم في الجبهة الأوكرانية ، حتى تستمر في أداء الدور الذي جرى دفعها إليه وإقناعها بالتمسك به.
أما على مستوى العقوبات ، فقد تجاوزت حدود الضغط الاقتصادي التقليدي لتفرض على روسيا إجراءات غير مسبوقة ، طالت قطاعات متعددة ، وامتدت لتشمل أصولًا روسية مجمدة جرى التصرف فيها باعتبارها تعويضات لأوكرانيا عن جزء من خسائرها. ورغم اعتراض موسكو على عدم قانونية هذا المسار وتهديدها بمقاضاة الدول الغربية، فإنها لم تقدم على تلك الخطوة لأسباب متعددة يمكن تفهمها في السياق السياسي والدبلوماسي القائم.
انطلاقًا من كل ذلك ، يبدو من الضروري أن تقدم روسيا على طرح مبادرة سياسية كبيرة وشجاعة ، مبادرة تسعى إلى وضع أسس تسوية شاملة لحربها مع أوكرانيا ودول الناتو، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة التي تقف خلف هذا التحالف. ينبغي أن تكون المبادرة متوازنة ومكتملة الجوانب ، تعترف بمخاوف روسيا الأمنية المشروعة ، وتُظهر في الوقت نفسه استعدادًا لتقديم بعض التنازلات الإقليمية اللازمة ضمن صفقة أمنية واسعة النطاق. هذه الصفقة يمكن أن تشمل معاهدة سلام دائمة مع أوكرانيا ، وضمانات أمنية دولية موثوقة تكفل عدم اندلاع حرب مشابهة مستقبلًا، إلى جانب حل نهائي لمشكلة الحدود بين البلدين بطريقة مستقرة وغير قابلة لإعادة التفجير.
وأعتقد أن مثل هذه الخطوة الروسية ستكون ذات صدى مهم لدى الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته ، إذ إن الرجل كان ينتظر منذ فترة طويلة خطوة من هذا النوع من الجانب الروسي ، ووضع عليها رهاناً سياسيًا منذ لقائه بنظيره الروسي في قمة ألاسكا وما تلاها. فالمضي نحو السلام في أوكرانيا يمكن أن يشكّل نقطة تحول على طريق تطوير العلاقات بين واشنطن وموسكو ، بل ومع الغرب عموماً ، ويفتح المجال لمرحلة أقل توترًا وأوسع تعاوناً.
في المحصلة ، تبدو الصورة الحالية قاتمة في تفاصيلها كافة ، والحرب الأوكرانية مستمرة بتكاليف تتصاعد وتتضاعف، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة لها. ولذا يصبح من واجب العقل والمنطق البحث بسرعة عن صيغة حل أو تسوية، وهو الدور الذي ينبغي للقيادة الروسية أن تضطلع به الآن، وهي تملك القدرة والإمكانات للقيام به دون أدنى شك.




