بقلم – جلال الدين محمد
أخشاب مُختارة بعناية تجمعت معًا لتُشكل مكاتبًا أنيقة، يجلس أمامها رجال بقمصان مفتوحة الزر الأعلى مُلقى خلف كل منهم معطف بدلته الرسمية، بينما يحاولون عبر تلك الهواتف إقناع العملاء بدفع آلاف الجنيهات للظفر بفرصة العمر.
مشهد معتاد في الشركات الحديثة التي يجد الشباب أنفسهم فيها بعد التخرج، للحصول على رواتب تكفي ليعيشوا منها حياة كريمة، كنت على يقين بأني لا أنتمي إلى هنا، ولكن ليس هذا ما أرغب في الحديث معك فيه، فهي ليست مساحة للبكاء على ما تفعله بنا الحياة، لديَّ أمر آخر.
على مرمى البصر كان لي زميل، متوسط القامة، له بطن سمينة بعض الشيء من المؤكد أنها سوف تتطور إلى “كرش” كامل في أقرب فرصة، يبدو على أعتاب الصلع، باختصار رجل أربعيني في منتصف العشرين.
المُدهش أنني لم يسبق أن وقعت عيني عليه إلا وهو يحمل كوبًا من الشاي، فهو يُحضر الشاي، أو يُقلب الشاي، أو ينهي ما تبقى من كوبه، وهو ينظر إلى العلبة استعدادًا لصنع كوب آخر، كل هذا وهو يؤدي عمله دون أي انقطاع.
هكذا تراه يتجول في الشركة خلال الاستراحات، أو يحضر الاجتماعات، كوب الشاي هو بحق جزء من يده لا يفارقه، ربما يكتشف الأطباء فصيلة دم جديدة إذا أجرى تحليلًا ما، دم مظبوط سكر زيادة.
لا أعرف بصراحة لما انصب تركيزي على الرجل خلال الأسابيع الثلاثة التي قضيتها في هذا المكان. نعم رحلت قبل اكتمال الشهر، لكن هذا أيضًا ليس موضوعنا، ولكن هل خطة تقاعده تشمل افتتاح مقهى، أم ربما يكن خبيرًا لتذوق الشاي في أحد المصانع؟ سأمنحه الوظيفة بلا تردد لو افتتحت هذا المشروع.