✍️ يوحنا عزمي
في الوقت الذي تتباهى فيه الحكومات بتعزيز الإنفاق على التعليم والصحة باعتبارهما ركيزتين لأي نهضة حقيقية ، قررت الدولة المصرية أن تسلك طريقًا معاكساً تماماً ، غير عابئة بدستور ولا ملتزمة بأي من المعايير التي تحكم دولة من المفترض أنها “مدنية حديثة”.
ميزانية العام المالي 2025/2026 جاءت لتكشف الحقيقة بلا مساحيق : نحن لا نعاني من أزمة اقتصادية فقط ، بل من إنهيار في منظومة القيم والتوجهات.
بلا خجل أو مواربة ، تم تخصيص 1.54% فقط من الموازنة العامة للتعليم ، أي ربع الحد الأدنى الذي ينص عليه الدستور المصري (6%). أما الصحة ، فقد حصلت على 1.21% فقط أي ما يعادل 40% من الحد الأدنى المفروض (3%). هذه ليست وجهات نظر سياسية أو مطالبات شعبية ، بل نصوص دستورية واضحة ، ومع ذلك يتم انتهاكها سنوياً بعلم الجميع وتواطؤ المؤسسات.
الخطير في الأمر أن هذا الانحدار لم يعد استثناءً ، بل بات القاعدة. عشر سنوات من التناقص المستمر في الإنفاق على أهم قطاعين في الدولة ، مما يؤكد أننا أمام “سياسة تجويف وطن”، لا مجرد تقصير بيروقراطي.
ورغم كل ذلك ، يخرج علينا رئيس الوزراء ، كعادته ، ليبشرنا بأن مصر ستُخرج قريباً 29 ألف طبيب سنويًا .. لكن عن أي إنجاز يتحدث؟
كيف تحتفل بإنتاج الأطباء في الوقت الذي تقلص فيه ميزانية تعليمهم وتدريبهم وتشغيلهم؟
هل يعقل أن تزيد الإنتاج وتنسف المدخلات وتتوقع منتجًا محترمًا ؟ هذا ليس منطقًا ، بل تسويق للوهم ، وخداع مفضوح.
هنا لا بد أن نسأل : أين الإعلام من هذه الكارثة الدستورية؟
أين المحللون الذين يستهلكون الشاشات بالحديث عن الإنجازات؟
أين مجلس النواب الذي بدلًا من أن يناقش هذا الانتهاك الفج ، قرر أن يقترح قوانين لمنع الأطباء من السفر ، وكأنهم أسرى حرب؟
إن ما يحدث ليس مجرد خلل في الأرقام ، بل كارثة في الرؤية وانهيار في الضمير الوطني.
والأخطر من كل ذلك؟ أن الأغلبية اختارت الصمت ، إما خوفًا أو تطبيعاً ، أو ياساً.
لكن من لا يصرخ الآن ، لن يُسمع لاحقًا حين يسقط السقف على رؤوس الجميع.