مقالات

العلاقة الأمريكية الإيرانية .. خصومة مُعلنة وتحالفات خفية

✍️ يوحنا عزمي 

رغم ما يبدو على السطح من توتر دائم وعداء متصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ، إلا أن العلاقة بين الطرفين تظل واحدة من أكثر العلاقات الدولية تعقيداً وغموضاً. فالنظر إلى هذه العلاقة من زاويتها الظاهرة لا يكفي لفهم أبعادها الحقيقية ، إذ تخفي في طياتها تفاعلات ومصالح متشابكة لا تظهر بالضرورة للعلن، وبعضها قد يكون أكثر تأثيرًا مما يبدو في الخطاب السياسي والإعلامي المتبادل.

منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وما تبعها من تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي الإيراني وشعاراته، بدا واضحًا أن إيران أصبحت عنصرًا مزعجًا لعدد من الأنظمة الخليجية والعربية. إلا أن واشنطن، وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، لم تسعَ لإسقاط النظام الإيراني، بل حافظت على وجوده ضمن معادلة إقليمية تخدم مصالحها الاستراتيجية.

تقوم السياسة الأمريكية تجاه إيران، حسب ما يراه مراقبون، على معادلة دقيقة: “دع إيران تطفو ، لكن لا تدعها تحلق أو تغرق”. هذه المعادلة ضمنت استمرار إيران كقوة إقليمية قادرة على إحداث التوازن المطلوب، دون أن تتحول إلى تهديد مباشر لا يمكن احتواؤه. فالولايات المتحدة ، بمختلف إداراتها الجمهورية والديمقراطية، تجنبت الدخول في مواجهة شاملة مع طهران، رغم امتلاكها القدرة على ذلك، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني في مراحله الأولى، أو في ما يخص دعم طهران للجماعات المسلحة في المنطقة.

وتبرز هنا “الخطوط الحمراء” التي لا تسمح واشنطن بتجاوزها، إذ تتدخل حين تشعر أن إيران بدأت تتجاوز الدور المرسوم لها إقليميًا، أو أنها أصبحت مصدر تهديد مباشر لحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة.

في المقابل، تدرك إيران أهمية هذه العلاقة المعقدة مع واشنطن، رغم ما تشهده من توترات. فهي تدرك أن الإبقاء على قنوات تواصل مفتوحة مع القوة الكبرى في العالم يمنحها هامشًا من الحركة والمناورة، يمكن توظيفه في لحظات التصعيد أو الانفراج، على حد سواء. لذلك، ورغم الضربات الأمريكية التي طالت منشآت إيرانية حساسة، لم تغلق طهران باب التفاوض، بل على العكس، لا تزال تسعى إليه، مدفوعة بحسابات سياسية واقتصادية داخلية وإقليمية.

الرغبة في الحوار لا تقتصر على طرف دون آخر؛ فكلاهما يحتاج الآخر بطرق غير مباشرة، وهذه الحاجة المتبادلة تمثل الأساس الحقيقي الذي يبقي هذه العلاقة قائمة، وإن اتسمت بالضبابية والتوتر.

في النهاية ، لا يمكن فهم العلاقة بين واشنطن وطهران بمعزل عن إدراك عمق المصالح المتشابكة التي تجمع بينهما، وهي مصالح تتجاوز الخطاب الإعلامي الحاد أو حتى العقوبات المتبادلة. فالعلاقة بين الطرفين ليست عداءً مطلقًا كما يُصوّر أحيانًا، بل هي نموذج معقد من “الخصومة المدارة”، التي يجري توظيفها سياسياً ضمن لعبة أمم لا تحكمها العواطف ، بل تحركها المصالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!