مقالات

جيش مصر ليس مرتزقاً ولا أداة عند الطلب

✍️ يوحنا عزمي 

جيش مصر ليس جيشاً تحت الطلب ، ولا أداة تستدعى لخوض معارك لا تخصه ، نيابة عن أطراف أخرى. فمصر لا ترسل أبناءها ليقاتلوا في حروب الغير ، ثم تُكافأ بالتشهير والتجريح والتشكيك، فقط لأنها رفضت الوقوع في فخاخٍ نُصبت لها عمداً. ومن يطالبها بذلك اليوم ، سيكون أول الشامتين غداً إن تعثرت.

أمن مصر القومي هو مسؤولية مصر وحدها. إنه حق سيادي خالص لا يُفرض عليه شرط ولا يُنتزع منه قرار. لا يملك أحد – أيا كان – أن يجر مصر إلى مستنقعٍ لا مصلحة لها فيه ، ثم يطالبها أن تدفع ثمنًا باهظاً لا ضرورة له ولا طائل من ورائه.

لقد خاضت مصر حروبها مع إسرائيل ودفعت أثمانًا باهظة من دماء أبنائها ومن أراضيها المحتلة. ولم تلجأ يومًا للشكوى ، ولم تتوسل إلى أحد أن يقاتل معها. قاتلت وحدها ، وتحملت تبعات قرارها وحدها. وهذه حقيقة لا يستطيع إنكارها إلا جاحد أو حاقد أو جاهل بتاريخ هذه الأمة.

أما اليوم ، فليس من العدل أن تتحمل مصر مسؤولية إغلاق إسرائيل للمعابر المؤدية إلى غزة ، خاصة أن هذه المعابر تقع تحت سيطرة الاحتلال ، لا تحت سيطرة مصر. ومن يظن أن على مصر فتحها بالقوة لإدخال المساعدات ، يطالبها فعليًا بإعلان الحرب مجددًا على إسرائيل ، بكل ما في ذلك من كوارث قد تشعل المنطقة كلها، في وقتٍ لم يعد يحتمل حربًا جديدة ، وسط انقسام عربي قاتل وضعف غير مسبوق.

الغريب في الأمر أن من يلومون مصر اليوم لم يشركوها أمس في اتخاذ قرار “طوفان الأقصى”، ولم يستشيروها في توقيت ولا هدف. ومع ذلك ، يطالبونها الآن بتحمل تبعاته مهما كانت. وهل هذا عدل؟

إنقاذ سكان غزة من الجوع والحصار لا يجب أن يكون مسؤولية مصر وحدها ، بل هو واجب مشترك ، وعلى وجه الخصوص على الدول الخليجية ذات النفوذ المالي والسياسي. السعودية، والإمارات، وقطر ، تملك مفاتيح مؤثرة في واشنطن وتل أبيب. ولها علاقات مباشرة مع إسرائيل لم تتأثر بما يجري ، خاصة الإمارات ، التي لم تقطع اتصالها مع إسرائيل لحظة واحدة. فهل يُعقل أن لا تستثمر هذه الدول هذه العلاقات في الضغط لفتح المعابر وإدخال المساعدات؟

الحقيقة الصادمة هي أن بعض الأصوات التي تطالب مصر بالتورط العسكري لا تبحث عن إنقاذ غزة ، بل تسعى لدفع مصر إلى هاوية حرب مع إسرائيل، دون أن تكلّف نفسها حتى المشاركة الرمزية أو الدعم الحقيقي.

أما الكلمة الأخيرة ، فهي للمقاومة التي بدأت “طوفان الأقصى”: من اختار إشعال النار ، عليه أن يكون مستعدًا لتحمل نتائجها، لا أن يفر هاربًا بحثاً عن النجاة الشخصية ، ويترك الشعب يواجه وحده حرب الإبادة الأعنف في التاريخ ، ثم يطالب الآخرين بالتدخل العسكري نيابة عنه ، وكأنهم وحدهم من يتحمل المسؤولية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!