مقالات

صوت الحرب في أوكرانيا .. وصمت العار في غزة

✍️ يوحنا عزمي 

للأسف الشديد ، نحن أمام رئيس يصعب الوثوق بكلمة واحدة تخرج من فمه. رجل أدمن الكذب والمراوغة ، ونكث العهود دون أن يرف له جفن ، أو يشعر بخجل من التناقض الصارخ بين أقواله ووعوده. يزعم علناً أنه يسعى لوقف الحروب المشتعلة حول العالم، لكنه عندما يصل الأمر إلى غزة ، يدير ظهره بصمت بارد ، وكأن الإبادة هناك لا تستحق حتى التعليق.

العالم بأسره بات يدرك أن بنيامين نتنياهو يمضي قدمًا نحو توسيع عدوانه على غزة ، بهدف استكمال احتلالها بالكامل. الأمر الذي يعني المزيد من الدماء والدمار ، ومحرقة مكتملة الأركان بحق المدنيين. ورغم وضوح النوايا ، يطل ترامب على العالم معلنًا أن قرار توسيع العمليات الإسرائيلية في غزة هو “شأن داخلي إسرائيلي”، لا علاقة لأمريكا به، وكأنه يبارك الخطة بصمته ، بل ويمنحها الضوء الأخضر للمضي في ترحيل سكان القطاع قسرًا.

قارنوا موقف ترامب من عدوان إسرائيل على غزة ، بموقفه الحازم من روسيا في أوكرانيا. رغم أن الفرق بين الحالتين صارخ. في غزة، العدوان وحشي وعنصري على شعب محاصر، لا وجه للمقارنة بين قدرات إسرائيل وحماس. وفي المقابل ، حرب أوكرانيا تُخاض بين جيوش نظامية، مدعومة بتسليح غربي هائل من الناتو والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك ، يطلق ترامب إنذارًا لبوتين بوقف إطلاق النار خلال أيام، مهددًا بعواقب خطيرة ، بينما لا يجرؤ على مخاطبة نتنياهو بمثله ، وكأن الدم الفلسطيني أرخص من أي حساب.

ترامب ، الذي دخل البيت الأبيض متفاخرًا بأنه يحمل مفاتيح حل كل النزاعات ، أثبت فشله الذريع في وقف أي حرب، بل ساهم في اشتعالها أكثر. من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى إفريقيا ، كل الجبهات مشتعلة، بينما هو غارق في معارك تجارية فاشلة مع الصين التي تفوقت عليه اقتصاديًا. ومع كل هذا ، لا يتراجع ، لا يراجع نفسه ، ولا يتعلم من أخطائه .. لأن العناد والمكابرة طبعه الثابت.

هذا الرئيس يمثل حالة سياسية ونفسية مركبة ، لا شبيه لها في التاريخ الأمريكي المعاصر. يجمع بين الانحياز العنصري، والأوهام الدينية ، والتناقضات الداخلية ، في مزيج خطير لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. لو امتلك شيئًا من المبادئ الأخلاقية ، لما استمرت حرب غزة ليوم واحد بعد توليه المنصب، ولما وقعت كل تلك الجرائم التي مزقت ضمير الإنسانية.

يبقى الرهان اليوم على ما ستؤول إليه المرحلة القادمة من حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضد غزة وسائر الأراضي الفلسطينية، وسط صمت دولي، وصمت أشد فظاعة من ساكن البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!