✍️ يوحنا عزمي
في ربيع 2025 ، تتغير خارطة الشرق الأوسط لا بفعل الحروب بل عبر أوراق السلام المشبوهة ، والاستثمارات التي تلمع من الخارج وتتعفن في عمقها.
فيما تبدو واشنطن كأنها عادت لتلعب دور الإله القابض على مفاتيح النفط ، نكتشف أن وراء المشاهد البروتوكولية ألعاب ظلّ بين الرؤساء ، وتبادلاً ناعماً للأدوار بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم.
طبيعة إتفاقية السلام بين أحمد الشرع وإسرائيل
الرئيس السوري أحمد الشرع فاجأ الجميع بإعلانه قرب توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. لكن الاتفاق ، بحسب مصادر مطلعة ، لا يشبه اتفاقات السلام التقليدية ؛ بل هو أقرب إلى صفقة سياسية – أمنية تمنح إسرائيل وجوداً استخباراتياً في الجنوب السوري، مقابل تطبيع اقتصادي ودعم دولي لنظام الشرع. الأخطر ، أن الاتفاق يتزامن مع وصاية أمريكية على حقول النفط السورية ، منح بموجبها الشرع امتيازات لشركات مقربة من ترامب ، تحت غطاء “إعادة الإعمار”.
ما يُظهر أن السلام المزعوم ليس أكثر من تبادل نفوذ بين واشنطن وتل أبيب على حساب سيادة دمشق.
الغياب المصري عن قمم الخليج 2025
غياب مصر عن القمم الأمريكية في الخليج هذا العام بدأ صادماً خاصة بالمقارنة مع الحضور المكثف في قمة 2017. التفسير الرسمي يتحدث عن تعارض مواعيد ، لكن الحقيقة أبعد وأعمق :
مصر لم تعد ترى نفسها طرفاً مركزياً في لعبة الخليج – أمريكا – إيران. كما أن القاهرة ترفض الدخول في اصطفافات تخدم أجندات إقليمية ضيقة ، خصوصاً بعد أن أصبحت العلاقات الخليجية – الإسرائيلية فوق الطاولة، ما اعتبرته القيادة المصرية تنازلاً مرفوضاً.
الاستثمارات الخليجية في أمريكا : إستثمار أم رشوة؟
الاستثمارات السعودية والقطرية والإماراتية في الشركات الأمريكية تبدو على الورق طبيعية، لكنها عملياً أداة ضغط سياسي واقتصادي. ففي زمن ترامب ، المال الخليجي لا يُستثمر فقط ، بل يُستخدم كوسيلة لكسب ود الرئيس والمحيطين به. بمعنى آخر : هي رشوة مقنعة ، ولكنها قانونية ، تفتح أبواب صفقات السلاح والتسهيلات السياسية ، وتغلق الأفواه في الكونغرس.
خلافات ترامب ونتنياهو : حقيقة أم خدعة؟
الخلافات بين ترامب ونتنياهو ليست أكثر من مقلب حرامية.
لعبة تبادل أدوار متقنة. حين يتظاهر ترامب بالتحفظ ، يظهر نتنياهو كمحارب ، والعكس. الهدف : خداع الرأي العام العالمي وإعطاء إسرائيل مساحة أكبر للمناورة ، بينما تواصل واشنطن تمويل ودعم الخطط الإسرائيلية في السر والعلن.
منع إيران للرئيس السوري من حضور قمة بغداد
منع إيران لأحمد الشرع من حضور قمة بغداد تم عبر أدوات ناعمة: ضغوط أمنية ، تهديدات غير مباشرة، وتلويح بزعزعة الاستقرار في مناطق النفوذ الإيراني داخل سوريا. طهران تعتبر الشرع “خائناً” بعد اتفاقه مع إسرائيل وترامب ، وتريد عزله إقليمياً قبل أن يتمدد مشروعه.
صاروخ الحوثيين على مطار بن غوريون : الرسالة خلف الدخان
استهداف الحوثيين لمطار بن غوريون تزامناً مع خطاب ترامب في الرياض لم يكن مجرد عمل عسكري ، بل رسالة مشفرة : محور المقاومة لا يزال حياً. الصاروخ لم يُطلق لأجل التدمير ، بل لأجل التذكير بأن تل أبيب ليست خارج دائرة الاستهداف ، وأن أي تقارب خليجي – إسرائيلي ستكون له أكلاف ميدانية.
من القصف إلى الاتفاق : التحول في الرؤية الأمريكية الخليجية تجاه إيران
التحول من لغة القصف إلى منطق الاتفاق مع إيران لا يعني تغييراً في المبادئ ، بل تبدلاً في الحسابات. واشنطن والخليج اكتشفوا أن إيران لا تُهزم عسكرياً ، وأن تحييدها دبلوماسياً يمنح مكاسب أكثر وأرخص. ترامب ، رجل الصفقات ، فهم اللعبة متأخراً : أحاصر إيران بالعقوبات ثم أفتح لها باب الصفقة الكبرى.
هكذا تتقاطع الخيوط في مشهد شرق أوسطي مشحون بالتناقضات صفقات تُعقد باسم السلام ، وغيابات لها دلالات أعمق من الحضور، واستثمارات تشتري الذمم لا المستقبل. وبين ترامب ونتنياهو والشرع والخليج ، يظل السؤال معلقاً : هل ما يجري سلام فعلاً ؟ أم هدنة بين اللصوص؟