✍️ يوحنا عزمي
تصدر تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عناوين الأخبار المحلية والعربية ، ولا يمكنني تجاهله دون وضعه في سياقه الواقعي بعيداً عن التهويل أو التضخيم.
ماكرون أعلن نيته الاعتراف بدولة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال اجتماعها في سبتمبر المقبل. وفوراً ، سارعت حركة حماس إلى الترحيب بالتصريح ، واعتبرته خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح. وستلحق بها حكومات عربية ، بل ربما تُصنف الخطوة كـ”اختراق سياسي” في ظل الوضع الفلسطيني الراهن، حيث يعيش الشعب الفلسطيني اسوأ فصول معاناته تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي.
وكما هو متوقع ، خرج وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو رافضا التصريح ، متذرعاً بأنه يعقد الأمور ولا يسهم في الحل ، ومشيراً إلى أن القضايا الكبرى لا تُحسم بإعلانات فردية بل عبر مفاوضات مباشرة. في الواقع ، ما قاله روبيو يحمل رسالة مبطنة مفادها أن ماكرون لا يقوم إلا بمزايدة سياسية ومناورة إعلامية ، لا تحتملها الظروف الحالية. وهذا الهجوم يتماشى بالكامل مع الموقف الإسرائيلي.
أما رأيي في تصريح ماكرون، فهو أنه لا يعدو كونه مناورة سياسية دعائية بلا وزن فعلي. توقيت الإعلان وقبله بشهرين من انعقاد الجمعية العامة لا يوحي إلا برغبة ماكرون في تعزيز حضوره في المنطقة العربية ورفع شعبيته المتآكلة ، عبر سياسة مراوغة ومواقف متذبذبة ، يحاول بها الظهور كلاعب سياسي بارع ، وهو بعيد تماماً عن ذلك.
وفي المقابل ، فإن ماركو روبيو يمارس نفس التضليل ، فهو يعلم جيداً أن الحديث عن مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين صار ضربًا من الخيال ، وأن ما يريده في الحقيقة هو كسب الوقت لإعطاء إسرائيل فرصة استكمال حربها على غزة وفرض سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية.
أما حركة حماس، فقد كان الأجدر بها ألا تنساق وراء التصفيق السريع لتصريحات ماكرون ، بل أن تطالبه باستخدام ثقل بلاده لكسر الحصار المفروض على غزة ، والضغط من أجل إدخال المساعدات الإنسانية ، والتنديد الصريح بجرائم الحرب الإسرائيلية.
كان بوسعها أن تكشف نفاق الموقف الفرنسي بدلاً من التهليل لكلمات لا تكلّف صاحبها شيئاً.
في الختام ، لا أرى في تصريح ماكرون سوى عرض دعائي ، لا يعدو كونه حلقة جديدة في مسلسل الدجل السياسي الذي بات يتقنه. ما كان لي أن أعلق عليه لولا رغبتي في كشف حقيقته أمام الرأي العام، عسى أن نكون أكثر وعياً وأقل قابلية للانخداع.