✍️ يوحنا عزمي
في زمن تتوالى فيه الأزمات وتتشظى فيه الجغرافيا السياسية العربية إلى جزر معزولة ، تأتي قمة بغداد كمحطة أخرى في قطار القمم العربية الفاشلة ، التي لم تحمل عبر تاريخها سوى بيانات ختامية منمّقة ووعود معلقة على شماعة المستقبل.
لم تكن هذه القمة استثناءً ، بل بدت وكأنها تحصيل حاصل في مشهد عربي قاتم ، تطغى عليه الخلافات والانقسامات وسوء العلاقات. عالم عربي تحكمه دوائر مغلقة، لا تلتقي سياساتها، ولا تتقاطع مصالحها، ولا يجمعها رابط حقيقي من وحدة الأهداف أو الانتماء.
الخليجيون في عالمهم الخاص
في مقدمة هذه الدوائر ، تبدو دول الخليج منشغلة بحساباتها الخاصة، معتقدة أن وفرة المال والنفط تمنحها القدرة على إدارة علاقاتها الدولية بشكل منفصل ، بما في ذلك التنسيق مع الولايات المتحدة وتوظيف حضورها العسكري كضمانة أمنية. وهي في الغالب – لا ترى تناقضاً في هذا التنسيق مع دعم واشنطن المطلق لإسرائيل ، حتى في ظل حرب إبادة جماعية تُرتكب بحق الفلسطينيين في غزة ، بكل ما تحمله من تطهير عرقي وتهجير قسري.
بالنسبة إلى بعض العواصم الخليجية ، فإن وقف هذه الحرب الوحشية مسؤولية “عربية عامة”، لا يجب أن تُعلق على رقبتها وحدها.
أما بقية العرب … فالفوضى تأكل ما تبقى
وفي المقابل ، تعاني معظم الدول غير الخليجية من أوضاع مأساوية لا تخفى على أحد : فوضى في السودان ، انهيار في ليبيا، تمزق في اليمن ، أزمات اقتصادية خانقة ، وواقع سياسي مريض ومعوق. كلها شواهد على مجتمعات عربية فقدت الحد الأدنى من مقومات الدولة.
فماذا يُنتظر من أنظمة غارقة في أزماتها الداخلية ؟
وما الأمل المرتجى في موقف عربي موحد وهي عاجزة
حتى عن ترتيب بيتها الوطني؟ كيف تصطف وراء موقف
جماعي وهي متصدعة داخلياً ومنقسمة خارجياً ؟
غزة … مرآة العجز العربي
الموقف الرسمي العربي من المجزرة الجارية في غزة – والتي تعد من أفظع الحروب دموية في العصر الحديث – يعكس بصدق حجم هذا الانهيار. صمت مطبق ، تحركات دبلوماسية خجولة ، وانعدام للرؤية أو الفعل الجماعي المؤثر.
وهكذا ، تنتهي قمة بغداد اليوم كما انتهت عشرات القمم قبلها : بابتسامات باردة ، وخطابات بروتوكولية ، وبيان ختامي مكرر.
ثم يعود الزعماء – أو من يمثلهم – إلى عواصمهم ، دون أن يتغير شيء، ودون أن يحمل المواطن العربي شيئاً سوى مزيد من الخيبة.
العرب في أسوأ حالاتهم
لم يكن العرب يوماً ، في تاريخهم الحديث ، أكثر تشرذماً ولا أكثر عجزاً مما هم عليه اليوم. ومع الأسف، فإن ما نراه اليوم من تدهور ليس إلا تجلياً لمحنة عربية عميقة ، تتجاوز بغداد وكل العواصم مجتمعة. نحن في لحظة تاريخية حرجة ، يتطلب الاعتراف بها شجاعة ، ويتطلب تجاوزها ما هو أكثر من قمم صامتة وبيانات بلا روح.