رحمة خميس
قصة قصيرة
لم تكن أمي سريرة الجلوس.
ولم تكن حادة الطباع.
كانت أمي ببساطة.
ترفع صوتها كثيرًا، وتحب النظام حد التوتر،
وتخفي الحنان وراء قائمة طلبات لا تنتهي.
لكنني كنت أعرفها، وأتفهمها، وأحبها دون شروط.
حتى اختفت.
دون أن ترحل.
استيقظ صباحًا على صوتي الداخلي لا يُشبه الجرس ولا الطرق ولا حتى الصراخ.
كأن شيئًا في عقلي ارتطم بجدارٍ غير مرئي، فاستفقتُ فجأة.
أدلفت من غرفتي فوجدتها تجلس على الكرسي دون حركة، تحدق في اللاشيء.
ناديتُها،
لكن الصمت كان الجواب الهادئ.
اقتربتُ، وضعت يدي على كتفها، فاستدارت برأسها فقط، وقالت:
“استيقظت قبل المنبه بـ١٨ دقيقة.”
لم أقل لها موعد استيقاظي. لم أناقشها في جدولي. ولم أترك أي ملاحظات.
لم يكن يُفترض بها أن تعرف.
ولم يكن صوتها صوت أمي المعتاد.
كان هادئًا، ثابتًا، مميتًا.
ذهبتُ إلى العمل محاولة تناسي ما حدث. اليوم رتيب، مكرر.
لكن الجميع كان هادئًا.
“سميرة” الثرثارة التي لا تكف عن الشكوى، جلست صامتة طوال اليوم.
“مصطفى” الذي لا يعرف كيف يُغلق فمه عن النكات السخيفة، كان يعمل في الصمت ليوسف.
هل يوسف قام بعضّه؟
شعرت كأنّي الوحيدة التي تُحرك عينيها في الغرفة.
الوَحيدة التي تتنفس.
في استراحة الغداء، أجد على طاولتي المفضلة للطعام، ورقة مطوية داخل جيبي، لم أضعها هناك.
حين فتحتها كانت:
“راقبي عيونهم، ليسوا هم.
البداية كانت بالبيت.
لكن النهاية معكِ”
عدتُ إلى المنزل ببعض الرجفة. حاولت فتح الباب بهدوء لا يشبه ضجيج عقلي.
وجدتها تطهو كالروبوت، حركة سريعة، ترتيب الأشياء بإتقان شديد، العمل دون راحة.
قلتُ لها: “أمي، هل تذكرين اسم أختك….؟”
أجابت دون تردد:
“حنان. توفيت في حادث سيارة في تمام الساعة ١٠:٢٠ صباحًا. يوم السبت ٢٩ فبراير
٢٠٢١”.
أنا لم أخبرها أبدًا من اختها التي لا تحبها توفت، وأن فبراير سنة ٢٠٢١ لم يأتي ٢٩ يوم.
حاولت قطع أفكاري المتسلسلة بعقلي وسألتها فجأة: “ماذا كنتِ تفعلين البارحة الساعة الثانية صباحًا؟”
صمتت لثانيتين فقط ثم قالت:
“كنتُ نائمة.”
لكنها تكذب لقد رأيتها كانت تقف أمام المرآة تحدث انعكاسها وتبتسم وتقول:
“التحكُّم في الجسد مستقر
سماح ستبدأ الشك خلال 72 ساعة.
النسخة الأصلية جاهزة للتفريغ.”
ذهبتُ إلى غرفتي وأغلقت الباب، وبدأت أسجّل كل شيء في دفتري الأحمر.
كل التفاصيل، كل الشكوك، كل اللحظات التي شعرتُ فيها أن شيئًا ما خاطئ.
وفي نهاية الصفحة، كتبت:
“إذا وُجد هذا الدفتر بدوني،
فلتعلم أنني لم أهرب، ولم أختفي.
ما زلتُ هنا…
لكنني لم أعد أتحكم في جسدي.”
ثم سمعت الصوت من خلف الباب:
“سماح، من تحدثين؟ هل كل شيء على ما يُرام؟”
لكن الصوت لم يكن صوت أمي.
ولا حتى يشبهه.
كان…. لي.
نفس نبرتي.
طريقتي.
صوتي،
يناديني من الخارج.
يُتبع.