زينب عبد الحفيظ
غُصْ معي…
في غمدِ صحراءٍ ملغّمةٍ بالرمال الحامية، ساخنةٍ تكوي الجلود.
الفصل يزداد زمجرة، وزمخرةُ الهواء كأنّها زفرةٌ من أنفاس الجحيم.
تدبُّ الأرضُ بأقدام رجلٍ بهيئةِ ثور، غاضبٍ، حادّ الملامح،
يضع يدًا على جُعبته، والأخرى أعلى جبينه،
حتى هدأت الرمالُ من تحته، وقلّ لهيبها.
دلف إلى منزلٍ كبيرٍ يشبه القصور،
يصطفُّ أمامه كثيرٌ من الجنود المدرّعين،
إلى أن وقف أمام رجلٍ ذي مهابة،
وافترّت شفتاه قائلًا:
“بالعموريّة… النساءُ تستغيث.”
وأخفض رأسه بحزن، وتابع:
“امرأةٌ مسلمة، تُهان بين حشدٍ من الضباع النجسة.”
احتدّت ملامحُ الرجل، وقال:
“ارْوِ لي ما حدث!”
التوجّس كان يحيط بها، وظلٌّ أسود لا أحد سواه،
تهرول، تهمهم بدعاء، والذُّعر يلوحُ في عينيها،
رائحةُ الخوف تتأجّج من ثوبها، حتى شمّتها الكلاب،
التفّوا حولها، وتمّ حصارٌ من نار،
وكان المكرُ يصرخ متبرّئًا من تلك النظرات.
دكّها أحدهم بمؤخرة سيفه بعنف، فصرخت بهلع، وارتفعت الضحكات.
اقترب كبيرهم، ورفع يده محاولًا نزعَ حجابها،
فاتّسعت مقلتَاها، وصرخت صرخةً أفزعت الجنود، قائلةً:
“وامعتصماه!”
صمتت الأجواء لثوانٍ…
ثمّ، تدريجيًّا، تعالت الضحكات،
سخريةً منها… أو ممّن تستغيث به.
وجُرَّت إلى سجون الأناضول…
—
وقف المعتصم بغضبٍ ثائر،
ودكّ صدره بيده، وقال:
“امرأةٌ مسلمة تُهان في عهدي؟!”
اصطكّت أنيابه،
وبرق في عينيه شررٌ من لهب،
وخرج صوته كزمجرة الضواري الزائمة:
“النساءُ عندنا كالجواهر الثمينة، أغلى من العقيق الأسود،
وأصواتهنّ محرّمات، نفنى في الحروب ولا تُهان واحدةٌ منهنّ!
وقد استغاثت بي… أفلا أُلبّي؟!”
ثم صرخ:
“اجمعوا الجيوش!
ولنجعل الطريق من بغداد إلى العموريّة مزيّنًا بوحوش الإسلام،
ولتندلع فوق رؤوس الروم نارٌ تُذلّهم!”
“فلبيكِ يا أختاه!”
فدُكّت الأرض بجحافل الجنود،
واحتشد الناس بريبة،
جيشٌ جبار، لا ينتهي مداه،
اجتاح الأناضول، دهس أرضها،
وكان من الجيوش التي تُفزع قلوب الجبابرة،
وقائدٌ تخضع له الأعناق.
شقّ طريقه بإصرار وغضب،
إلى مدينة محصّنة بالحديد،
ذات تحصيناتٍ غاشمة،
لكنّها لم تصمد طويلًا.
فقد اقتحمت بأيدي رجلٍ أقسم أن ينتزع الكافرين منها،
وأن يُنثر في أرجائها العزّة،
ويُخرج الروم منها أذلّاء، صاغرين، يرتدّون المهانة… خاسرين.
وقد فعل.
أطلق سراح المستغيثة،
ورفع كرامتها إلى علوّ الزمان،
وغمد كرامة الفاسقين تحت نعال جنده.