ابداعات

خير في جوكر

أحمد المقدم 

 

لقد اعتمد ألفريد هيتشكوك على عبقريته أكثر ما اعتمد في انتقاء شخصياته التى تجسد أدوار الشر. إن الحقيقة تكمن دوما في قدرة الشر على تعقيد الأحداث وتحويل الحياة إلى تراجيديا مأساوية يحيكها الكاتب ويجسدها الفنان.  

ولا يمكن أن يجسد الشر سوى اكثرهم حنكة وأقدرهم على أن ياخذ المشاهدين نحو نفق مظلم حيث تملؤهم الكراهية حتى تطغى على مشاعر الشفقة تجاه من يمثل الخير ويعاني من قوى الشر والتى تمثلت في آداء أقدر الفنانين وأكثرهم إقناعا وإرهاقا للعاطفة.  

 

من المعروف أن الكره الذي، يرتبط بوجود الشر يحتاج إلى طاقة أكبر من الإنسان اكثر ما يحتاجه الحب المنوط بالخير. 

 

ولكن، هل هناك نسبية في المشاعر تجاه الشر أم أن الذوق العام قد أصبح حقيقة وجودية؟

هل للحقيقة وجه واحد أم أن هناك وجوه أخرى تأخذنا إلى آفاق مستترة قد توارت خلف حواجز قد أقمناها نحن بعناء قد جلبه علينا كره الشر؟ هل حدث أن حدثتنا أنفسنا أنه ثمة سبب قد دفع بالشر قدما نحو الظهور في الواجهة؟ هل الشر حقيقة موازية للخير أم أن كليهما يدوران في فلك النفس البشرية لا ينفك أحدهما يظهر في الأنحاء حتى يغلبه الآخر في صراع

 وجودى يجعل من حياتنا كينونة سريالية نبدو فيها وكأننا نشاهد دواخلنا وقد دوختها صراعات بين نوازع الخير والشر لدينا؟   

 

إن أشد ما أهالنى و جعلنى في حالة امتنان في وداعية العقد الماضي هو أعجوبة الجوكر للمخرج القدير تود فيليبس، والذي قدم لنا إجابات عديدة لكل التساؤلات السابق طرحها إذ جعلنا نقف مشدوهين بينما يأخذنا في رحلة يملؤها التعاطف في أعماق شخصية قد حالت دون سيادة الخير و انتصار الرجل الوطواط أمام هيث ليدجر و جاك نيكلسون في أجزاء فيلم Bat Man أو الرجل الوطواط. فقد كانت شخصية الجوكر، رغم الشر وكراهيته المعهودة للناس و حيلولته دون انتصار الخير المطلق مثار حيرة وتساؤلات تعكس رؤيتنا للواقع وطرحنا لأسئلة بشكل واع ولا واع عن سبب مجيء الشر الجم داخل إحدى الشخصيات بينما لا نتساءل بالمثل عن كينونة الخير. لقد قدم تود فيليبس في العام ٢٠١٩ إجابات التساؤلات تلك في رائعته الجوكر The Joker ويقدم دور البطولة الممثل القدير خواكين فينيكس.  

 

إن المثير في الفيلم هو أن الشر قد ينبع من بين طيات الخير أحيانا. فما أحال الجوكر، وهو شخص كل ما لديه هو حلمه أن يكون مهرجا يضحك الناس الذين جعلوه ضحية تنمرهم و سخريتهم، إلى شخصية تجسد الشر المطلق، هو ما اقترفه الناس الذين قد ظلوا ردحا طويلا من الزمن يمثلون الخير أو الضحية بينما هم القاتل الحقيقي للخير داخل الجوكر. لقد كانت هذه القصة بمثابة تناوب للأدوار فقد قرر الجوكر ألا يكون ضحية حتى لو لزم الأمر أن يعتنق الشر، كعقيدة تحميه من أن يصير، ضحية بينما سينظر إلى هؤلاء المختلين من العامة على أنهم ضحايا لشره الذي قد استشرى.  

 

إن عظمة الجوكر (٢٠١٩) تكمن في بيان نسبية الخير والشر و محاولة التعرف على معرفة مواطن الآخر الحقيقية والتى قد تختبيء مستترة خلف جدار الخير.  

 

لقد اعتمد تود فيليبس وسكوت سيلفر في كتابة فيلم الجوكر على فرضية مفادها أن نزوع الإنسان إلى كراهية الشر يستقطع من طاقته الكثير حتى يصيبه الوهن أحيانا والضجر من إطلاق مشاعر قبيحة تدفعه إلى البحث عن التخلص من هذه الحالة والنزوع إلى الوجه الآخر من رد الفعل المتمثل في محاولة الولوج إلى عمق شخصية الشر لعل هناك ما يستلزم الشفقة تجاه الجوكر و الذي ظهر بدوره كبطل Protagonist وليس بطل الشر Antagonist. وليرقد هيث ليدجر في سلام.  

 

لا يمكن للإنسان إرغام نفسه على اتخاذ موقف الحب والكراهية تجاه شخص ما. ولكنه عندما يقرر ذلك ربما لم يعرف أنه سوف يحتاج إلى طاقة مضاعفة حتى يتمكن من تحقيق ذلك البغض. وقد يعلم لاحقا أنه قد بدد ما لديه من طاقة وما لديه من وقت وعمر في كره ما قد استحق بعض الغوص في أعماقه بقدر من الطاقة أقى كثيرا مما قد أهدر في كرهه حتى يعلم أن للحقيقة وجه آخر. ولكن بين هذا وذاك لا وجود للوم فليس الكره إثم ولا الحب كذلك.  

 

إن لحظة نبادر فيها أحدهم بكراهيته هي ذاتها لحظة تستحق الوقوف على تداعيات تلك الكراهية وما ستؤول إليه لاحقا، وما قد يفاجؤنا إذا ما أدركنا كنه ما لم نعلم. إن كانت الكراهية للشر، فقد يكون هنالك فيه خير مستتر، ومعلوم أن جهلنا هو لأننا من بنى الإنسان. قد يعنى الكره للشر معاداته. وقد نعادي ابشر لجهالتنا لمواطن الخير فيه ولا ضير، فالإنسان عدو ما يجهل. ولرب معرفة قد يتغير معها كل شيء.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!