زينب عبد الحفيظ
“همهم بضجر، واملأ فراغَ أيامك بالسيئات.
جزءٌ بكَ ماتَ وانقضى، وآخرُ يترصّد هطول الرحمة،
رحمةٌ ممطرة من عُلوّ الشّفقات.
أنتَ وحدك معك، أنت… لا أحد غيرك.
لا سواك.
أدرك هذا.
ربّما كان الاعتماد على المارّة شيئًا اعتادت عليه هشاشتك،
لكن… سحقًا!
وهل وُجد عونٌ من بشرٍ، مُلثّمين بالمكارم،
وفي أجوافهم نفوسٌ مرسّخ بها غلظةٌ عاتية؟!
لا أودّ أن ألتقط صوت النواح،
فقد صمّت أذناي من صراخ الخزي،
وتجرّعتُ أطنانًا من ملذّاتٍ زائفة.
ها هو الفراغُ ينتفخ بداخلك،
ولكلٍّ سكنٌ، جليسٌ، مقعدٌ يتّكئ عليه…
خُلق له من صلب شجرةٍ صلبة،
أما أنت، فتقف في هواءٍ طلق،
كأنك هجين… لا أحد لك، ولا انتماء.
—
“الأشياء لا تبقى…
فالرياحُ يشتدّ صفيرُها،
وقحلتِ الأراضي،
وإنِ استغاثَ بك أحد، تخرّ واقعًا،
ولا أحدَ يُلبي نداء الاستغاثات.
حنينك نحو الأشياء ينساب في طرقٍ يابسة،
لا تتشرّب رمقَ أصالتك.
تتزيّن عروشُ الأرض بالجواهر،
وتتبطن بفراءٍ باهظة،
وأصلها من أشجارٍ صلبة،
جامدة… لانت ليُؤخذ من أخشابها نفعٌ
يرتقي به ملوك الأرض،
ويتّكئ عليها مجالس الأقوياء.
الجماد خُلق لينتفع به بنو البشر،
لكنّ البشرَ…
منهم من يتّخذ من قساوة الأحجار مهادًا،
ومنهم من يحشوها في عقولهم،
فيَسود التجبّر،
وينتشر بَنو الجاهلين،
ليُطبِقوا على قلوبٍ ما زال اللينُ بها…
يرقّ حتى لحشرات الأرض.
هناك شيء… يسير عكس مسار الكون،
شيءٌ إن اشتدّ تجبّره،
خضع له الكون،
وإن وهن…
**”وقع على عاتقه أوزارٌ لا حِملَ له بها،
بل لا تنتمي إليه.
حشرجةُ صوتك تنذر بسيلٍ من الدموع، تشتدّ وتيرتها.
تؤمن بشيءٍ… ينفُر منه موضعك.
لا حدّ لك، ولا حدود لبساطة روحك.
جسدٌ تتلبّسه روحٌ ركيكة،
مهتزّة من فرط قسوة الهواء.
تُدرك في أعماق عقلك،
أنك لم تُقصّر بشيء،
ورغم هذا… يُلقى عليك شِباكُ الاتهام دائمًا،
وترتضيها أنت، على مضض،
حتى لا تُثير سُخط صيّادي الكره.
ترى الجميع يسير،
وحدك تقف على أطلالِ الدنيا،
تطلب الحنانَ بالألحاف،
تبحث في الوجوه عن بسمةٍ صافية،
وتترقّب بلهفةٍ كلماتٍ هادئة…
تتوق بتعطّش لسماعِ همساتٍ معتذرة،
حنوّ، وإن كان زائفًا.
فقد شُحن قلبُك بالنغزات،
فيخيبُ ظنُّك مرارًا،
وتضحكُ منكَ هواجسُك،
وكأنك تنتظر الدفءَ…
من غطاءٍ ممتلئٍ بالأشواك.