منة اللّٰه سعد عتمان
روحٌ مئنة بألم الفقد، مكفنة في أوراق دفاتر قديمة، تدون أحلامها بين سطور المعاناة، سعف توقعاتها يرفرف في أفاق سماء التمني، تستمر في الركض على سراب فانِ، تزداد الليالي قتامة على قلبها الرَعِش من برودة الخذلان.
استيقظت فزعة، والدماء تجري في أوصالي مجرى النهر، يتصبب العرق من جبيني كأنه شلالات مندفعة تجاة أودية لم ترى سوى الجفاف، وأنفاسي المتسارعة كسرعة الضوء، لم يكن كابوسًا بل كانت ذكريات مؤلمة زارت عقلي الباطن؛ فعكرت صفو أحلامي، جلست صامتة مجمدة الأطراف كأن الجليد تحت قدماي.
نظرت للحال الذي أنا عليه، للخوف الذي اعترى روحي الرَعِشة؛ كمصباح قد شارف على انتهاء صلاحيته فبدأ يرتعش ؛ فبكيت بِصَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ والدموع تسيل دون توقف؛ كأنها مطافيء لذاك الحزن الكبير.
طوال حياتي لم أعتاد على طلب الكثير، كل ما أتمناه دائمًا هو الاطمئنان، تحَرُر روحي المقيدة من تلك الأعباء التي سجنتني بداخلها وأعلنت حراستي بسَجان متزمر، نظرت لليأس الذي خيم على ملامح وجهي المريض، من خسارة أشياء كانت على بُعد خطوة منها ثم فقدتها؛ كأن أبسط ما يحق لي أن أشتهيه يُستحال بين يديَّ.
جلست أتمتم بكلماتٍ خافتة، داعية لله أن يفك الكرب الذي إلتقمني لظلام الوجع، وإذ فجأة تخبط سمعي صوت البرق الذي مزق صفحة السماء، وكأن الله يقول لي أنا هنا أقرب إليك من حبل وريدك؛ فاصبري ورابطي على قلبك لعل الفرج قريب.
واذ بي على شفا حفرة القنوط، هطل المطر كأنه جاء بعد سنواتٍ عجاف؛ فابتسمت كأني وجدت نفسي التائهة بين قطراته المتناثرة على جسدي، حاوطني لطف الله وعدتُ على أملٍ جديد، أني سأجبر ولو بعد حين.
فما قدم قلبي إلا الأمان، وما زرع سوى الحنان؛ فحصدت بذلك آهاتٍ يغزوها الغدر، ولكني على يقين أن الجبر سيرمم صدوع الروح المرتابة، بأُناس تحويني بداخلها كأنما الجواهر؛ فظني بالله خير وما أنقذني إلا ربي، عن قوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) .