✍️ يوحنا عزمي
معضلة التعامل مع الأوضاع الكارثية الراهنة التي خلفتها حرب إسرائيل علي غزة والتي دمرت فيها الحجر والبشر معا ، ومحت لهذه المدينة المنكوبة كل معالم الحياة الطبيعية فيها ، هذه المعضلة الصعبة تدور طول الوقت في دائرة مفرغة من التصورات العربية والدولية المتضاربة ، ومن الحلول والحلول المضادة التي يمكن ان تستمر إلي ما لا نهاية ، بينما تزداد أحوال شعب غزة سوءاً وتدهورا في غياب توافق فلسطيني وعربي ودولي عام علي أسس الحل النهائي لهذه المشكلة المعقدة بعد ان تضع هذه الحرب اوزارها ، وهي نهاية يصعب حاليا التنبؤ بزمانها او بما سوف يكون عليه شكلها ، ويكذب من يزعم أنه يعرفها.
وبداية ، فإن الحل التهجيري القسري من غزة إلي خارجها بمفهوم التوطين الدائم او المؤقت ، وهو الحل الذي يتبناه الإسرائيليون والامريكيون ، مرفوض شكلا وموضوعا لأنه يعني مصادرة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ، وفي ان يكون هذا القرار لهم وحدهم ، وليس لغيرهم ممن يحاولون فرض وصايتهم عليهم لاخراجهم من وطنهم إلي غير رجعة بذريعة ان غزة باتت في أوضاع حياتية وإنسانية شبه ميئوس منها وان الخروج منها هو الخيار الواقعي الوحيد المتاح أمام شعبها الآن إلي ان يعاد اعمارها مستقبلاً.
لكن يقابل رفض الفلسطينيين لحل التهجير الجماعي القسري من غزة ، يجب ان يكون هناك اقتناع عربي ودولي عام ، بأنه ما لم يكن هناك إتفاق تقبل به إسرائيل وامريكا حول الوضع النهائي لغزة ، في إطار من قرارات الشرعية الدولية ، فإن اي جهود عربية ودولية لإعادة إعمار غزة ، سوف تكون مهددة بخطر التقوض والانتكاس في اي وقت إذا ما بقيت إسرائيل في حالة حرب مع غزة .. وهو إحتمال كبير للغاية ، وسوف يترتب عليه احجام المانحين الدوليين عن المشاركة في جهود ومشاريع إعادة إعمار غزة لعدم جدوي ما سوف تنفقه فيها .. وكذلك سوف يكون الحال مع بعض الأطراف العربية هذا فضلا عما سوف تفتعله إسرائيل من تعقيدات او تضعه في طريقها من عراقيل.
لكن وفي غياب تسوية نهائية لمشكلة غزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام يجب ان تكون هناك خطط عربية جاهزة لتمكين شعب غزة من مواصلة حياته بشكل او آخر بأتاحة الحد الأدنى الضروري من الخدمات الحياتية الأساسية له في مجالات الإدارة والأمن والإسكان والتعليم والصحة والطرق والنقل والمواصلات ومن الوقود والطاقة والمياه والكهرباء والغذاء والدواء ، حتي تخرج المدينة تدريجيا وتتعافي علي قدر الإمكان من حالة الشلل التام الذي تعيشه حاليا وتستحيل معه الحياة الطبيعية في كل تلك المجالات.
ويبقي علي الحكومات العربية بمعاونة خبراء تخطيط المدن العرب إعداد مخطط شامل حول كيفية تحقيق ذلك في الواقع كمرحلة انتقالية مؤقتة إلي ان يتم حسم مستقبل القضية الفلسطينية كلها بحلول نهائية دائمة تنهي هذه المحنة الإنسانية العصيبة التي طالت واخذت في طريقها ما اخذت من أرواح وممتلكات.
أعود واوكد ان الحديث عن عملية إعادة إعمار غزة في صورتها النهائية الشاملة الذي يتردد بكثرة الآن داخل المنطقة العربية وخارجها واعطاء تلك العملية الأولوية علي ما عداها من أولويات قبل التوصل إلي حل سياسي نهائي لوضع غزة تعترف به إسرائيل وتلتزم باحترامه وعدم تغييره ، وليس اعمارها بالمفهوم المرحلي المؤقت والعاجل الذي ادعو إليه واعتبره الاكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الطروف الحياتية الصعبة التي تعيشها غزة حاليا في ظل غياب مثل هذا الحل النهائي لوضعها في اي تسوية سياسية شاملة للقضية الفلسطينية سواء بحل الدولتين او بغيره من الحلول والتسويات ، سوف يكون اشبه بوضع العربة أمام الحصان
أعني أنه سوف يكون بمثابة وضع كل الجهود المبذولة في هذه العملية المضنية والمكلفة إلي ابعد الحدود في مهب الريح ، ولتعود الأحوال في غزة مع حروب إسرائيل المستمرة عليها إلي نقطة الصفر او الي ما دونها من جديد او هذا هو ما يشغلني واخشاه وأري ان من واجبي التحذير منه ولهذا اتمني ان تكون كل خطوة نخطوها في هذا الإتجاه محسوبة بدقة وفي توقيتها المناسب.