ندى أحمد
في تمام الساعة العاشرة صباحًا
كُنت أتجهز كقاضٍ لأول مرة في حياتي، ولأن حياتنا باتت غريبة مؤخرًا، ويسكنها الشر، فالمذنبون ليسوا مثلنا، لذلك فهي أول محكمة فريدة من نوعها.
مجني عليه قُتل بسبب “اليأس” الذي يَدعي أن “الإرادة الضعيفة “هي السبب في ذلك، وهناك تجلس “العزيمة والإصرار” للمدافعة عن أنفسهم في أي وقت .
حين يكون المتهمون بشرًا نأخذ كافة الإجراءات، والقوانين لكي ينالوا جزاءهم، لكن كيف يمكنني أن أُحاسب مشاعر، وهواجس قد تلقي بِك في النار حيًا وبإرادتك؟!
وجهت سؤالي إلى اليأس :
كيف يمكنك أن تكون قاسيًا لتلك الدرجة لأن تقتله.
ليرد عليّ قائلًا:
بكل بساطة هكذا أنا، أتسلل للجميع عندما تضيق بِهم الحياة، وتأخذهم إلى مسارات أخرى غير تلك التي حَلِموا بها، تحديدًا حينما تُحطمهم….
يا سيدي القاضي، أنا لا أقتل أحدًا عُنوة عنه، ضعف إرادته هي السبب، ولو كنت مشاركًا في الجريمة، فهي المُتهمة الأولى هُنا.
نظرت بترقب إلى “الإرادة الضعيفة”، وكأنها فهمت ما أريد أن أستجوبها بشأنه، فتحدثت من تلقاء نفسها قائلة: مهلًا سيدي، أنا لا أحتاج إلى نظراتك تلك، سأقول الحقيقة لا تقلق.
حينما كان المجني عليه محاطًا باليأس، كنت أقف جانبًا أترقب، وأستشعر أنه في مرحلة ما سيقوم من غفلته، عزيمته و إصراره تحدواني بأنه سيجبرانه على النهوض، وقد كان ما حدث حاول أن يقف مجددًا، لكني قمت بــِ بتر قدمه نعم، أنا فعلت ذلك، حينما ذكرته بأن الجامعة التي حلم بها ذهبت لأحد غيره، وأن الفتاة التي يحبها تزوجت اليوم، والعمل الذي اعتاد عليه لكي ينسى أحزانه تخلى عنه مثل الباقين، كانت الحياة ضده، وأنا أيضًا لم أُسانده ولو لمرة واحدة، كيف لا يموت سيدي !!؟
انتهت المحكمة، و توجهتُ إلى المنزل، شعرت بألم حاد في قلبي، وأنا أستعيد ما سمعته في أذني، مصدقًا بأن المرء تُهلكه حقًا أفكاره، ومشاعره التي تحاربه من جميع الجهات، ولا مُنقذ غير نفسه التي تأبى الهزيمة، لكن في محكمة اليوم الهزيمة كانت سيدة القاعة، والموت كان النهاية التي توصل إليها، و المتهمون مُعترِفون بجريمتهم، وحكمت عليهم وقُضي الأمر .
فتحت مذكرتي السوداء لأكتب فيها ما حدث معي في اليوم الأول من عملي، ولكنني وجدتني أكتب تلك الكلمات :
يهزم الإنسان حين يحب، و حين يكره،
يموت الإنسان حين يفرح، و حين يكذب،
يعيش الإنسان وفيًا للحزن، و يخونه وينهض،
لا مجال لكلمة (أو) في كلا الأحوال سيموت،
إذا بقي على نفس الوتيرة طيلة حياته، ستبتلعهُ،
هذه الليلة لن أنساها.