✍️ يوحنا عزمي
فبعد مرور مئة عام من تقسيم المنطقة يأتي الجزء الثاني بهدف تقسيم المقسم وتفتيت المفتت .
لم يكن يحدث هذا التقسيم في ظل وجود ثلاث دول كبيرة هي صاحبة الحضارة الممتدة وفي ذات القوات تمتلك جيوشا قوية كافية لردع أي معتدي.
كانت هذه الدول هي دول المواجهة بشكل رئيسي مصر وسوريا ثم العراق بحكم الموقع الجغرافي.
كان العراق يمتلك قوة عسكرية هائلة واقتصاد زراعي صناعي بترولي ونظام قابض علي السلطة استطاع بتلك القوة بسط سيطرته علي العراق وتحجيم الطائفية كسنة وشيعة والعرقية ما بين كرد وتركمان وعرب.
كان لابد من القضاء علي الجيش العراقي لسقوط العراق ، بدأ المخطط بدخول العراق للكويت سنة ١٩٩٠م واستمر حتي الغزو الأمريكي للعراق سنة ٢٠٠٣ وسقوط النظام وما صحبه من تدمير شامل للجيش والبنية التحتية والاقتصادية للعراق وبدأت الصراعات الطائفية والعرقية شيئا فشيئا تحول النظر في تطور جديد من الحروب الجديدة علي التدمير الداخلي للشعوب نفسها بنفسها بدأت الفكرة بتونس لتكون شرارة الانطلاق لثورات الخراب العربي في ٢٠١١ ونجحت الفكرة في ظل وجود أنظمة مكثت فترات طويلة في الحكم صاحبها مشاكل إقتصادية ومتجمعية.
فشل المشروع في مصر بفضل الله أولا ثم بتدخل الجيش وحكمة المشير طنطاوي ، وافق هذا انسحاب الرئيس الأسبق مبارك من السلطة وتسليمها للجيش.
ثم أتي الدور الأكبر والذي سيذكره التاريخ كثيراً بتكاتف الشعب والجيش في ٣٠ يونيو ، واخذ القرار التاريخي الذي لو تأخر لدخلت مصر في حرب أهلية ولضاعت البلاد .. دور الرئيس السيسي ودور الجيش افشل المخطط في مصر وقضت مصر بعدها عشرة أعوام في محاربة الفكر الإرهابي وسط تضحيات كبيرة سقط فيها شهداء كثر من الجيش والشرطة.
في سوريا نجحت الخطة عندما لجأ الجيش السوري للصراع المسلح مع التنظيمات المسلحة وقتها تم الإيذان والتصريح بظهور داعش من الكاوبوي الأمريكي ، ظهر التنظيم ليذكي الطائفية وفكرة اللاوطن .
تمسك الأسد بالسلطة واقحم الجيش في الصراع مع تنظيمات عدة ما بين داعش والجيش الحر الذي سمي لاحقا بقوات سوريا الديمقراطية.
وتدخلت امريكا وروسيا في سوريا وتقطعت أوصال البلاد.
أدارت أمريكا السيناريو بكفاءة عالية بإجبار روسيا في الدخول في حرب مع أوكرانيا وخلفها أوروبا وأمريكا.
ثم إشعال الحرب في غزة والقضاء علي كل مظاهر الحياة فيها من جانب الكيان تمهيدا لإخلاء غزة وبعدها الضفة وضمها في إطار توسعي همجي.
ومنذ البداية تخطط وتدرك أمريكا إدراكاً كاملا أن ذكاء الطائفية هو السبيل لتقسيم المقسم.
فأتت بهيئة تحرير الشام الإسم المحدث لداعش لتتولي حكم سوريا وسط تخلي روسيا عن الأسد في صفقة ابرمتها أمريكا وروسيا تترك فيها روسيا سوريا لأمريكا والكيان وتترك فيها أمريكا أوكرانيا لروسيا.
دخلت في هذه الصفقة أيضا تركيا بحكم مصالحها في الشمال ورغبتها في الاستيلاء علي الشمال السوري والقضاء علي التهديد الكردي لها.
تمكنت هيئة تحرير الشام من حكم سوريا ومن مبادئ الحركة فكرة اللاوطن جاءت الحركة بجيش خليط ما بين سوريين وافغان وشيشان ودواعش من كل مكان.
في نفس الوقت قامت إسرائيل بتدمير كل قدرات سوريا العسكرية من طائرات ومدفعية وصواريخ ودبابات حتي الأسطول السوري في طرطوس واللاذقية لم يسلم من التدمير الشامل.
واستولت أسرائيل علي جبل الشيخ واجزاء من محافظات درعا والقنيطرة وصولا إلي حوض اليرموك والحدود الشمالية للأردن من إتجاه سوريا احتلت أراضي لم تستطع إحتلالها علي مدار عمرها القصير الذي ناهز ال 78 عاما.
واصبحت سوريا بجيشها الجديد بأسلحة خفيفة ترقي فقط للإشتباكات الطائفية.
في ظل هذا الوضع صارت إسرائيل هي المهيمنة وصاحبة الكلمة الأولي وخاصة بعد إسكات حزب الله وتواري إيران عن المشهد.
ضمت إليها أراضي كبيرة من سوريا وأجزاء من الجنوب اللبناني انتظارا لضم غزة والضفة تنفيذا لحلم إسرائيل الكبري وإنهاء لقضية فلسطين للأبد.
ولم يبق من تهديد سوي الأسد الجنوبي مصر الرابضة بقواتها الأبية المرابطة علي حدودها وشعبها خلفها جاهز للدفاع عن كل ذرة من ترابها.
لم يبق غير مصر وفقط مصر ودون دعم وظهر ذلك جليا بعد انعقاد القمة الطارئة في القاهرة يوم ٤ مارس الماضي .
تسعي أمريكا لجعل الإبن المدلل هو السيد والمهيمن وبعد أن كان هو العدو تريده ان يصبح هو الصديق بعد توسعه وهيمنته علي المنطقة والذي يسعي الباقون لمصادقته ومهادنته اتقاء لشره وخوفا علي مصالحهم وكراسيهم.
هي لحظات فارقة وغاية في الخطورة سعيا لخلق الشرق الأوسط المفتت الجديد بزعامة الكيان واختفاء ما كان يطلق عليه العالم العربي.
الأمر الذي يجعل العرب يتمنون بقاء سايكس بيكو ١ في أمر محزن وجلل.
لم يبق إلا مصر التي تعيق تنفذ المخطط الذي قارب علي نهايته.
وكعادة مصر وبفضل الله ورعايته ستبقي هي الصخرة التي تنكسر عليها أحلام الطامعين والغزاة .
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وقائدها .