✍️ يوحنا عزمي
في الكواليس الأمنية والسياسية لتل أبيب ، لم يعد سؤال ضرب إيران مطروحاً كخيار بين عدة بدائل ، بل كخطة جاهزة بانتظار لحظة الصفر. فكل ما يدور في غزة ولبنان وسوريا واليمن ، ليس سوى مقدمات محسوبة في مسلسل استنزاف طويل يهدف لضرب “قلب المشروع الإيراني” وتغيير معادلة الشرق الأوسط جذرياً.
القيادة الإسرائيلية ترى في طهران ليس مجرد خصم إقليمي ، بل العائق الأكبر أمام إعادة رسم المنطقة بما يضمن تفوق تل أبيب ودورها كلاعب مستقل عن المزاج الأمريكي، ومهيمن على مسارات الصراع والتحالف.
من المستفيد الأول من سقوط طهران؟
بطبيعة الحال ، فإن إسرائيل ستكون الرابح الأكبر من زوال المشروع الإيراني ونسف “محور المقاومة”، لتكريس مكانتها كقوة إقليمية وحيدة لا تنازعها في النفوذ دولة أخرى ، عربية أو غير عربية.
ورغم صمت العواصم الخليجية ، إلا أن الرياض وأبوظبي والمنامة والكويت تنظر بعين القلق المتزايد إلى التهديد الإيراني الذي لم يعد محصوراً بالخطاب ، بل بات يتمدد في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين.
ضرب إيران لن يكون ضربة جراحية على منشأة نووية فحسب ، بل عملية متعددة الأبعاد : تفكيك البرنامج النووي ، هز الداخل الإيراني عبر المعارضة ، فرض حصار اقتصادي خانق ، ومحاولة إعادة إنتاج “السيناريو السوري” بنسخة إيرانية ، حيث يتحول النظام إلى عبء على شعبه قبل خصومه.
إيران .. الساحر الذي سيفتك بسحره
كما أشعلت طهران الفوضى في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وغزة ، تبدو اليوم على أعتاب لحظة ارتداد السحر على الساحر.
فالمشروع الإيراني الذي بُني على الميليشيات والطائفية السياسية يواجه اليوم رفضًا دولياً وإقليمياً متزايدًا ، وبات من الصعب الدفاع عنه في معادلة الشرق الأوسط الجديدة التي ترتسم ملامحها بلا مكان للجمهورية الإسلامية القديمة.
دروس غزة … فهل يفهمها خامنئي؟
ما حدث في غزة منذ 7 أكتوبر لم يكن مجرد معركة محلية ، بل اختباراً قاسياً لسلاح إيران غير المباشر. سقطت “أسطورة المقاومة” تحت ضربات إسرائيل ، ودفعت حماس وحدها الثمن الكامل لتلك المغامرة.
اليوم ، الرسالة لإيران واضحة : إما الخضوع لشروط تفكيك نووي منضبط ، أو الدخول في دوامة الفوضى والدمار والانقسام الداخلي الذي قد يعيد رسم الخريطة الإيرانية ذاتها.
ضربة بلا حلفاء … ورد بلا حماية
إذا تلقت طهران ضربة إسرائيلية ، فمن المشكوك فيه أن تجد نصيراً حقيقياً .. لا موسكو ، ولا بكين، ولا حتى وكلاؤها في لبنان والعراق سيغامرون بالدفاع المباشر عنها.
الأكثر من ذلك ، أن دولًا كالأردن والإمارات وربما مصر ستنخرط ضمن حلف إقليمي يصد أي رد عسكري إيراني محتمل، تحت مبرر “حماية أمن المنطقة”.
رد إيران – إن حدث – قد يكون القشة التي تُعجل سقوط نظامها، وتبرر فرض حصار خانق جديد يعيدها إلى عزلة أشد مما عرفته بعد الثورة الخمينية.
النهاية اقتربت … وبداية شرق أوسط مختلف
المشهد يقترب من لحظة فاصلة : ما بعد إيران لن يشبه ما قبلها.
تحالفات ستسقط ، وأخرى ستتشكل. وأولويات المنطقة ستُعاد كتابتها على مقاس مشروع إسرائيلي أكثر وضوحاً وتقدماً.
السؤال الحقيقي لم يعد : هل ستُضرب إيران؟
بل أصبح : متى؟ وكيف؟ وما الذي سيبقى منها بعد الضربة؟