✍️ يوحنا عزمي
الشرق الأوسط يقف اليوم على حافة تصعيد غير مسبوق قد يغير ملامح المنطقة لعقود قادمة. ما نشهده لم يعد مجرد اشتباك تقليدي بين إيران وإسرائيل، بل هو تحوّل استراتيجي خطير يهدد استقرار الخليج العربي نفسه ، مع احتمالية امتداد تأثيره إلى مصر ودول الجوار في أي لحظة.
لأول مرة تعلن إيران صراحة أن القواعد الأمريكية في الخليج أهداف مشروعة، وتذكر بالأسماء: “العديد” في قطر ، “الظفرة” في الإمارات ، القواعد في العراق والبحرين. هذه ليست تهديدات عابرة ولا مجرد رسائل إعلامية ، بل إعلان نوايا واضح بتوسيع دائرة المواجهة من تل أبيب إلى عمق الخليج.
ما الذي دفع إيران لهذا التهديد المباشر الآن؟
فجر 13 يونيو نفذت إسرائيل واحدة من أعقد الضربات الجوية في تاريخها ضد منشآت نووية وعسكرية حساسة داخل إيران، استهدفت فيها مواقع مثل “نطنز” و”فوردو”، ومطارات عسكرية تعتبر عصب النقل العسكري الإيراني. الضربة هدفت بوضوح لضرب العمود الفقري لمشروع طهران النووي وحرمانها من أي قدرة على التخصيب السريع.
الرد الإيراني كان ضخمًا من حيث الكم لكنه بلا جدوى عسكرية حقيقية. أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا ومئات الطائرات المسيّرة أطلقت باتجاه إسرائيل عبر سوريا والعراق، لكن الدفاعات الجوية المتقدمة نجحت في اعتراض أكثر من 90٪ من هذا الهجوم، بمساعدة أنظمة أمريكية وأوروبية وخليجية. النتيجة كانت خسائر مادية محدودة للغاية وعدم تحقيق أي من الأهداف المعلنة، بينما كلفت العملية طهران ما يقرب من نصف مليار دولار خلال 24 ساعة فقط، في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية خانقة.
هنا جاء التفكير الإيراني بمنطق آخر : لماذا تواصل ضرب إسرائيل التي يصعب اختراق دفاعاتها بينما يمكن توجيه ضربة مباشرة لحلفائها في الخليج حيث القواعد الأمريكية أقرب وأقل تحصينًا، وحيث التأثير السياسي والإعلامي سيكون أضخم؟ هذه القواعد تقع في مدى صواريخها متوسطة المدى ومسيّراتها الانتحارية الرخيصة والفعالة.
المفارقة أن هذه التهديدات لا تخص الخليج وحده. مصر معنية تمامًا بهذا التصعيد، لأن أي هجوم على منشآت نفطية أو عسكرية في الخليج سيؤثر على قناة السويس، على أسعار الطاقة، على تحويلات المصريين في الخارج، وربما يفتح الباب أمام صراعات بالوكالة تصل إلى حدود مصر أو داخل أراضيها عبر الإرهاب أو الأزمات الاقتصادية.
الخطر الأكبر أن إيران أصبحت الآن أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار في استنزاف نفسها عسكريًا واقتصاديًا ضد إسرائيل بلا مكاسب حقيقية، أو فتح جبهة الخليج لضرب المصالح الأمريكية، وهو الخيار الذي يبدو أقرب إلى الواقع والأكثر فاعلية بالنسبة لطهران ، حتى لو كان ثمنه حربًا شاملة لا يمكن السيطرة عليها.
الخليج الآن ليس مجرد ساحة صراع محتملة، بل هو قلب المشهد الاستراتيجي القادم. كل القواعد الأمريكية في مرمى النار، وبعضها يقع على بعد دقائق فقط من منصات الصواريخ الإيرانية. قطر حتى اللحظة تبدو خارج الحسابات المباشرة بسبب علاقتها المعقدة مع طهران، لكن الإمارات والبحرين والعراق في عين العاصفة، خاصة مع تصاعد التوتر عقب اتفاقات التطبيع، وضعف الجبهة العراقية أمنيًا، واحتمالية استغلال الميليشيات الشيعية الموالية لإيران هناك.
المنطقة كلها تترقب اللحظة التي قد يسقط فيها أول صاروخ إيراني على قاعدة أمريكية في الخليج، لأنها ستكون لحظة فاصلة بين ما قبل وما بعد، اللحظة التي قد تنفجر فيها الحرب الكبرى التي لا يريدها أحد، لكنها باتت أقرب من أي وقت مضى.
السؤال الآن: هل المنطقة مستعدة لهذا السيناريو الأسوأ أم أن الجميع لا يزال يراهن على صبر إيران الطويل؟
الإجابة قد تأتي في أي لحظة … ومعها قد يتغير كل شيء.