مقالات

قناة السويس .. مشروع سيادة وطنية أم مطمع استعماري؟

بقلم : يوحنا عزمي

كاتب صحفي وباحث في الشؤون الاستراتيجية

منذ عقود ، ظلت قناة السويس تمثل أكثر من مجرد ممر ملاحي دولي. إنها الشريان الحيوي الذي يربط الشرق بالغرب ، والموقع الجيوسياسي الذي تتحكم به مصر ، ليكون أداة سيطرة في زمن السلم ، وورقة ضغط استراتيجية في زمن الحرب.

لكن هذا الموقع الفريد لم يكن يومًا محل ترحيب دولي. على العكس ، شكل دائماً محور صراع خفي ومستمر بين طموحات مصر السيادية ، والمصالح الغربية الساعية للهيمنة.

وثيقة بريطانية مسربة تكشف الحقيقة

في عام 2022، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وثيقة سرية تعود إلى الأرشيف العسكري البريطاني ، بعنوان : “الجوانب العسكرية لتطوير قناة السويس”.

الوثيقة تكشف بوضوح نوايا القوى الغربية في تقويض أي مشروع مصري يهدف إلى تطوير القناة أو تعزيز السيطرة الوطنية عليها، خاصة بعد قرار تأميمها عام 1956.

وفق الوثيقة، فإن المشروع الذي أطلقته مصر في عام 1958 – والذي عُرف آنذاك بـ”مشروع ناصر” – كان يتضمن تعميق المجرى الملاحي، رفع كفاءته، وحفر قناة موازية تتيح المرور في الاتجاهين.

الهدف لم يكن فقط اقتصادياً ، بل استراتيجياً بامتياز: تحويل القناة إلى ورقة قوة عسكرية واقتصادية بيد الدولة المصرية.

القلق الغربي : قناة تحت السيادة المصرية

رد فعل بريطانيا لم يتأخر؛ فقد لجأت إلى ممارسة ضغوط مكثفة على البنك الدولي لوقف تمويل المشروع المصري، في خطوة تعكس إدراكها بأن القناة المطورة ستمنح مصر دورًا إقليميًا مؤثرًا، وقد تُستخدم كورقة تفاوضية ضد مصالحها في حال نشوب نزاع سياسي أو عسكري.

وقد أثبتت السنوات التالية صحة هذه المخاوف. ففي عام 2015، دشنت مصر مشروع “قناة السويس الجديدة”، وهو تطوير ضخم أعاد رسم المشهد الاستراتيجي للملاحة العالمية، وأكد قدرة مصر على إدارة هذا المرفق الدولي بكفاءة وسيادة.

التدويل الناعم : أساليب جديدة لضرب المشروع

لم تتوقف محاولات التدخل عند الضغوط الدبلوماسية.

في السنوات الأخيرة ، ظهرت أساليب أكثر نعومة:

حملات إعلامية ممنهجة تشكك في إدارة القناة

محاولات وصمها بـ”المشروع الاستعماري”

تسريبات عن مشاريع ملاحية بديلة

دعم غير مباشر لأعمال تخريبية في محيط القناة

استخدام الحوادث العارضة كذريعة للتشكيك في قدرة مصر على حماية الممر الملاحي.

حادثة جنوح السفينة “إيفر جيفن” في مارس 2021 كانت مثالًا واضحًا.

فبمجرد وقوع الحادث ، سارع الإعلام الدولي إلى اتهام مصر بالفشل، في حين أعلنت الإدارة الأمريكية استعدادها للتدخل. لكن مصر تعاملت مع الأزمة باحترافية كاملة، ونجحت في إعادة تشغيل القناة خلال أيام معدودة دون دعم خارجي، مما أثبت كفاءة الإدارة المصرية.

ازدواج القناة : ضرورة استراتيجية

إن الاستراتيجية المثلى للرد على هذه التحديات لا تكمن في التصريحات وحدها ، بل في استكمال مشروع الازدواج الكامل للقناة، وهو المشروع الذي يُعد امتدادًا لحلم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

ازدواج القناة لا يعني فقط مضاعفة القدرة الاقتصادية ، بل هو:

تأمين الملاحة ضد الحوادث المفتعلة

مضاعفة سرعة العبور وتقليل زمن الرحلة

زيادة القدرة الاستيعابية لأكبر السفن

غلق الباب أمام أي محاولات لتعطيل المجرى الملاحي

الأهم من ذلك ، أن المشروع يتم بأيادٍ مصرية خالصة ، وبتمويل وطني، ليؤكد مرة أخرى أن الإرادة الوطنية قادرة على تحقيق ما عجزت عنه التحالفات والمؤسسات الدولية.

قناة السويس ليست مجرد مصدر دخل ، ولا مشروع بنية تحتية عابر.

إنها ورقة سيادة وطنية ، ومفتاح توازن استراتيجي ، وسلاح في يد الدولة المصرية.

كل محاولة لتقليل قيمة هذا المشروع ، أو التشكيك في أهدافه، يجب أن تُفهم في سياقها الحقيقي:

إعادة إنتاج مشروع الهيمنة القديمة بثوب جديد.

لكن مصر – كما أكدت مرارًا – تعرف موقعها ، وتدرك قيمة ما تملكه ، وتمضي في طريقها بثقة ، وشعارها باقٍ:

قناة السويس … مصرية وستظل كذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!