مقالات

خطة ترامب لغزة : سلام على الورق .. وألغام في الواقع

✍️ يوحنا عزمي

في أروقة نيويورك ، وخلال لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدد من قادة الدول العربية والإسلامية،  طرح الأخير ما وصفته وسائل الإعلام بـ«خطة عمل» أمريكية مؤلفة من واحد وعشرين بنداً تهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل المشهد في غزة.

ترامب طلب موافقة الحضور على هذه الخطة ، مشدداً  – كما نقلت التغطيات – على أهمية الحصول على دعم رئيس وزراء إسرائيل ، بنيامين نتنياهو ، قبل الشروع في تنفيذ أي بند من بنودها ؛ وهو عنصر سيكتسب وضوحاً أكبر خلال لقاء مرتقب سيجمع الطرفين بعد أيام.

الخطط التي تحملها العواصم الكبرى دائماً ما تكون مرآةً لرؤاها ومصالحها ؛ والخطة الأمريكية هذه لم تكن استثناءً. نصوصها وأهدافها تبدو، بحسب ما برز في التغطية، انعكاساً للرؤية الأمريكية الإسرائيلية في الأساس ، مع هامش ضئيل أو هامش رمزي فقط للرؤية الفلسطينية والعربية.

ولأن إعدادها تم داخل البيت الأبيض وبعيداً عن مشاورات مسبقة مع الأطراف ذات الشأن ، فإنها تستبطن منطقاً تفاوضياً سيئ التوازن من البداية – وهي نقطة ينبغي أن يضعها الفلسطينيون والعرب في المقدمة حين يقررون موقفهم منها.

النقاش حول تفاصيل الخطة الأمريكية سيطول بلا شك. فهذه الحيثيات ، كما يقال ، هي المكان الذي يكمن فيه الشيطان ؛ التفاصيل الصغيرة والمصطلحات الغامضة والارتباطات الخفية قد تحول مبادرة تبدو من بعيد وكأنها نصرة للسلام إلى سلسلة إجراءات تعمق التهميش وتوطد الإحتلال. وفي حال استُقبلت هذه الخطة بقبولٍ منقوص أو دون تعديل جذري، فليس من المستبعد أن تؤدي المفاوضات اللاحقة إلى نتائج مخيبة للآمال أو حتى إلى انتكاسات خطيرة للمصلحة الفلسطينية.

الأهم من مضمون الخطة بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب هو مسألة الثقة. كيف يمكن لأي طرف فلسطيني أو عربي أن يضع ثقته في وساطة إدارة سياسية يعتبرها الكثيرون منحازة تماماً لإسرائيل؟ عندما يكون الوسيط نفسه ظاهرياً منخرطاً بقوة في مشروع يعكس مصالح طرف واحد، يفقد مصداقيته كوسيط مستقل ومحايد. وهذه مسألة مركزية : فغياب الثقة يضعف فرص التوصل إلى نتائج عادلة ومستدامة، ويجعل المفاوضات عرضة للاستغلال والالتفاف.

من زاوية عملية التفاوض ، أتوقع أن تكون ميزانيتها – إن جاز التعبير – مائلة بشدة لصالح إسرائيل. هذا الاختلال لن ينعكس فقط في معدلات النجاح أو الفشل، بل سيحدد أيضاً شكل وتركيبة ما سيُعرض لاحقاً على الفلسطينيين من تنازلات وشروط. وفي ضوء ذلك ، يجب أن يتجه النظر أولاً وإلى ما قبل أي مفاوضات رسمية: إلى إنهاء معاناة المدنيين ووقف الأعمال العسكرية التي تشكّل كارثة إنسانية في غزة.

الأولوية الوطنية والإنسانية الملحة هي وقف القتل والدمار فوراً عبر هدنة طويلة الأمد تحت إشراف أممي ومجلس الأمن، تكون مدعومة بضمانات دولية لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية أسوة بما تمليه الضرورة القصوى.

مثل هذه الهدنة يجب أن تُصاحبها عملية منظمة لإطلاق سراح الرهائن لدى كل الأطراف، وفتح قنوات لإعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية لسكان القطاع. هذه الخطوات ليست رفاهية سياسية بل شرط لازم لإمكانية الدخول في حوار جاد يمكنه أن يؤسس لمرحلة تفاوضية حقيقية – وإلا فستكون أي عملية تفاوض مجرد تفريغ شكلاني بلا جوهر.

التجارب السابقة تقدم دروساً مريرة : مفاوضات الدوحة والقاهرة ، بما استهلكته من وقت وجهد ومساعي وساطة، لم تسفر عن حلول دائمة ، وبعضها انتهى بانسحابات وأزمات جديدة. ومن هنا ينبثق حذر مشروع من أي عملية تفاوض تقودها إدارة أو جهة تبدو مهيمنة على صياغة الأجندة والنتائج منذ البداية. لا يكفي أن تُقدم خطة على أنها «خريطة سلام»؛ يجب أن تقبل مراجعة حقيقية يشارك فيها جميع المتضررين وبمراقبة دولية تضمن حياد الوسيط.

في الختام: تقديم ترامب لخطة من واحد وعشرين بنداً هو بداية مسار جديد – وليس خاتمته. الطريق أمام هذه الخطة طويل ، محفوف بالمطبات ، ومعبأ بالألغام السياسية التي قد تُجبر الفلسطينيين على خيارات مرة إن لم يكونوا حذرين.

لذلك ، لا يجوز أن ننجرف وراء بريق الخطط قبل فحص نصوصها ومقاصدها ، ولا أن نمنح ثقةً مطلقة لوسيط لا يبدو محايداً. لم يعد الوقت مناسباً للمبالغات في التفاؤل؛ المطلوب هو يقظة ، تحفظ ، وضغط دولي إنساني حقيقي لوقف إراقة الدماء وإعادة حقوق المدنيين قبل أي كلام عن آليات تفاوض أو ترتيبات مستقبلية. فليس كل ما يلمع ذهباً، ولا كل خطة تُصاغ في واشنطن تحمل بالضرورة خلاصاً للفلسطينيين أو سلاماً عادلاً للمنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!