المهند إسلام
ظهرَ من بينِ النيران المتوهجة،
طيفٌ برتقالي،
وأخذ يتشكلُ ببطئٍ،
حتى صارَ على شكل طائر،
طائر العنقاء،
رمزًا لصاحبه المحترق.
كان صاحب طائر العنقاء هو أمير مملكة “أورافين”،
تقع “أورافين” في أعالي جبالٍ خضراء،
يقع من تحتها غاباتِ وأنهار،
تلك الغابات التي أُحرِقَ فيها.
تحكم “أورافين” ملكةُ جميلة،
بشعراتٍ برتقالية كالثعلب،
ووجهٌ يكسوه حمرةٌ كنحامٍ وردي.
كانت الملكةٌ عنقاء، تستطيعُ غلقَ أجنحتها لتتحولَ إلى آدمية.
تحكمُ مملكةٌ من البشر، لم يتبقَ من فصيلتها غيرَ عائلةٍ قريبة،
وهي وابنها،
الأمير “كايلن”،
ذا الشعر الأحمر،
وارثًا عن أمه وجهه.
والآن لنعود معًا لقصةِ حرقه،
وظهور طيفهُ البرتقالي،
ليستجوب النساء الواقفات الثلاث،
عمّن أحرقه.
كانت الأولى من فصيلة ال”سايرن”، نصف حورية بحر وتستطيع التحول لآدمية.
حينَ نظرَ إليها الطيف نظرت إليه بإزدراءٍ ثم بدأت.
“حسنًا،لقد كنتُ سايرن بريئة على أي حال، عائلتي هوجاء ومتفتحة، وقد سمحت لي بالإرتباط ببعضِ ال”سايرن” الذكور، وجلستُ طيلة عامين أخرجُ مع “سايرن” مختلف كل يوم، فلم أجد من يشبهني ومللتُ، فخرجتُ إلى حانةٍ على الشاطئ، ووجدتُ ذاك الأمير الوسيم فسحرته بصوتي، وكانت علاقتنا ممتازة؛ أخرجُ من الشاطئ في معادنا المعلوم، أقابله وأتحدث معه، ثم يعود كلّ منا إلى مملكته،لكنه وبعد أن جعلني أتعلقُ به، تركني ورحل، وقال إنه لم يصنع للعلاقات، وإن كان الحبُّ قد غلبه، فاضطررتُّ إلى حرقه، أي أنني أنا الفاعلة.”
“لا بل كانت أنا!” قاطعتها الثانية.
” أنا من فصيلة الأمير، عنقاءٌ بشعرٍ ذهبي، كنتُ أكثر من تناسب الأمير، ولم أكن كتلك الحورية أحاول سحره، بل كانت تجمعنا علاقة قرابة محترمة وبعيدة، ومعارف عائلية.
لقد تربيتُ معه، كنا نادرًا ما نتحدث، وكانت شخصيتي تشبهه، نعشقُ الذكريات ونقدس الأشياء القديمة ونحتفظ بها، وقد أحببته بحق لكن لم أصرح له، فدين العنقاء يمنع الفتياتِ من الاعتراف بأشياءٍ كهذه، يجبُ على الرجل أن يفعلها،
وقد فعل، وتركني فجأة قبل أن يسمع الجواب قائلًا عني أنني أفضلُ من أن أكون معه، وانا بالفعل كذلك، لكنني أحببته، وتمكن غضبي مني، فأحرقته.”
“اصمتا كلاكما، أنا من فعلتها.” قالت الأخيرة،
والتي كانت إنسانة.
“لقد رآني الأميرُ في المكتبة، وتحدث معي، وأخذ رقمُ هاتفي، لنتحدث بعد ذلك سويًا لمدة شهرين، وكنت كلِّ تلك المدةُ أحادثه بغير طبيعتي الآدمية، التي تتحدثُ كثيرًا وتشارك كلّ ما يدور بذهنها، فلما فعلت، وندمتُ أنني فعلت،تركني قائلًا أنني أضيع وقته، ولا وقت له للعلاقات الدائمة، لكنني قد تعلقت به كما يفعلُ البشر، وأحببته، فاضطررتُ لحرقه، لكي لا ينظرُ إلى أخرى.”
وهكذا، ظلّا الثلاث نساءٍ تتشاجرُ على من قتل الأمير، بينما يقفُ طيفه في انتظارِ ظهور الحقيقة، والتي هي أن الأمير هو من أحرق نفسه بندمه متعمدًا.
لكن النساءَ قلنَ جميعًا شيءٌ واحدٌ صحيحٌ وأكيدٌ عن الأمير، ألا وأنه لم يخلق للعلاقات الدائمة.
غيرَ أنه،
كانت هناك فتاةُ،
تختبئُ خلفَ شجرة في البعيد،
منتظرةٌ ذهابَ النساءِ،
لتقتربَ من النهر وتطفئ النيران،
وتجلس بجانب الطيف لتقول،
“أتتذكرني، لقد كنتُ دائمًا موجودة في الجوار، أدعي انعدام المشاعر والقوة، ونكلم بعضنا بوقاحةِ مازحين
كنا أصدقاءٌ لم تتأثر علاقتهم.
لقد كنتُ طوال هذا الوقت أنتظر قدومك في الجوار، لكنك كنتَ دائمًا تهرب من مشاعرك تجاهي لعلاقةِ أخرى، لأنك تخشى خسارتي ورفضي، قد جئتُ الآن، فاسمح لي بإنقاذك، ولنبدأ من جديد، حينَ تكونُ مستعدًا.”
فتبخر الطيفُ تاركًا وراءه ريشه، لتجمعه الفتاة، وتلقي تعويذتها، ليبدآن بدايةٍ جديدةٍ ونظيفة.
ولكن هل سيتعلم الأمير من خطأه؟
أم يعاود تكراره؟ ويخسرُ الفتاة الوحيدة التي أحبها بصدق!

 
						


