مقالات

عاصفة تُحاك في الخفاء .. إسرائيل وإثيوبيا يتحركان ضد مصر في توقيت واحد يوحي بأن إنفجاراً إقليمياً يقترب

✍️ يوحنا عزمي

في الساعات الأخيرة ، بدأت ملامح مشهد غير مريح تتشكل بسرعة لافتة ، وكأن هناك خيطاً خفياً يربط بين التصعيد الصهيوني والتوتر الإثيوبي الموجه نحو مصر في وقت واحد ، وبنفس النبرة الحادة تقريباً. هذه المصادفة ليست عابرة ، بل توحي بأن حدثاً ما يجري الإعداد له خلف الستار، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار كلام نتنياهو قبل أيام عندما قال إنه يحتاج “عفواً شاملًا عن قضاياه لأن “أحداثا ضخمة ستشهدها المنطقة قريبا”، وهي جملة لم يكن يمكن تمريرها دون أن تثير القلق حول ما قد يُخطط له.

رغم أنني نادراً ما أكتب مرتين في اليوم ، إلا أن ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية يستحق التوقف أمامه. فمنذ عدة ساعات فقط خرجت صفحة سياسية تابعة للحكومة الإسرائيلية تُعرف باسم “المنسق” بتصريح مدو يفيد بأن إسرائيل ستفتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين من غزة  إلى مصر تحت إشراف أوروبي وبـ“تنسيق مع القاهرة”.

وقع هذا الكلام كان صادماً ، ليس لأنه مفاجئ فحسب، بل لأنه محاولـة واضحة لافتعال أزمة جديدة على الحدود مع مصر، وإظهارها أمام العالم وكأنها ترفض استقبال المدنيين الهاربين من الموت ، بهدف دفعها مجددًا نحو مربع الضغط المتعلق بملف التهجير الذي أسقطته مصر تمامًا منذ بداية الحرب.

الرد المصري جاء سريعاً وقاطعاً ، إذ نفت هيئة الاستعلامات المصرية الادعاءات بالكامل ، وأكد مسؤولون مصريون أنه لم يحدث أي اتفاق من أي نوع ، وأن مصر لن تقبل فتح المعبر بهذه الصورة ، بل رفضت الفكرة من أساسها ، موضحة أن أي ترتيب محتمل يتعلق فقط بالسماح بعودة من خرجوا للعلاج.

هذا الرد أعاد الأمور إلى نصابها ، لكنه استفز الجانب الإسرائيلي الذي حاول الالتفاف على الحقيقة بإطلاق تصريحات عدائية جديدة ، كان أبرزها ما قاله مسؤول إسرائيلي للقناة 12: “لو مصر مش عايزة تستقبل سكان  غزة ، فدي مشكلتها.” وهذه الجملة وحدها تكفي لتصنيفها ضمن أخطر ما صدر من تل أبيب ضد القاهرة منذ سنوات، لأنها تنقل النقاش من المراوغة السياسية إلى محاولة فرض واقع ديموغرافي بالقوة ، وهو خط أحمر بالنسبة لمصر التي سبق أن وصفت المساعي الإسرائيلية في هذا الاتجاه بأنها “تهدم أسس السلام” نفسه.

هذا التصعيد لا ينفصل عن وضع نتنياهو المأزوم ، فهو يبحث عن أزمة جديدة تخلط الأوراق وتعرقل مسار اتفاق وقف إطلاق النار الذي يسعى المجتمع الدولي لانتزاعه. كما أن تورط جيشه مؤخرًا في اشتباكات داخل قرية بيت جن السورية وتحول الاقتحام إلى مواجهة مباشرة مع المدنيين السوريين ، أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين ، ما زاد الضغط الداخلي عليه ، ليظل بحاجة إلى “عدو خارجي” يهرب عبره من فشله السياسي والعسكري.

وفي التوقيت ذاته ، تبدو القاهرة في وضع دولي أقوى مما كانت عليه منذ سنوات ، خصوصًا بعد نجاحها قبل أيام في تمرير قرار أممي يدين احتلال الجولان ، في خطوة ألقت بثقلها الدبلوماسي وأحرجت إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وهو ما دفع حتى الحكومة السورية لتوجيه شكر رسمي لمصر. هذه النقطة بالتحديد جعلت تل أبيب أكثر انزعاجاً من الحضور المصري المتصاعد في الملفات الإقليمية.

الأمر لم يتوقف عند إسرائيل ، فبالتوازي مع هذا التصعيد أصدرت الخارجية الإثيوبية بياناً عدائياً بشكل غير مسبوق، تجاوز الأعراف الدبلوماسية بطريقة تثير الشكوك حول وجود تنسيق خفي بين الطرفين.

البيان وصف دول القرن الإفريقي بأنها “ضعيفة ومفككة وعميلة”، ملمحاً إلى أنها تتحرك وفقًا لإرادة مصر ، ثم أعلن بشكل صريح أن إثيوبيا “غير ملزمة بطلب إذن من أحد للتصرف في مياه النيل”. هذا التصريح الأخير تحديدًا كان بمثابة دفن رسمي للمسار الدبلوماسي بعد أن اعتبرت أديس أبابا النيل الأزرق ملكية إثيوبية ، متجاهلة تمامًا الاتفاقيات الدولية ومتهمة إياها بأنها “عقلية استعمارية”.

أما مصر فكانت قد حسمت موقفها بالفعل عندما أعلن وزير خارجيتها قبل أسابيع أن القاهرة “لم تعد راغبة في تفاوض جديد”، ليغلق الباب رسميًا أمام أي مسار سياسي مع إثيوبيا، ويفتح المجال أمام خيارات أخرى يجري العمل عليها بالفعل، سواء عبر التحركات العسكرية أو الاستراتيجية أو تطويق إثيوبيا في محيطها الإقليمي.

ما يحدث الآن يشير بوضوح إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة ساخنة من التصعيد، وأن هناك محاولة كبيرة لتفجير الملفات مرة أخرى من بوابة الضغط على مصر والقضية الفلسطينية ، في محاولة يائسة لفرض الأمر الواقع قبل أن تتضح ملامح المرحلة المقبلة. هذا يتقاطع مع الرسائل غير المباشرة التي توجهها مصر بدورها عبر معرض EDEX وإعلان صناعات عسكرية جديدة ، وكأن كل طرف يعيد ترتيب أوراقه استعدادًا لما هو قادم.

نتنياهو الآن محاصر سياسياً وميدانياً ، ويحاول توسيع دائرة الصراع للهروب من مأزقه الداخلي ، بينما تستغل إثيوبيا اللحظة لتفرض رؤيتها بالقوة في ملف النيل. ومع ذلك ، ينسى هؤلاء أن إشعال النار ليس لعبة آمنة ، وأن من يظن أنه قادر على التحكم في شرارتها قد يكون أول من يكتوي بها عندما تندلع بالكامل، وحينها لن يجد أحدًا يلومه سوى نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!