مقالات

إتصال حاسم بين بوتين ونتنياهو يعيد رسم ملامح المشهد في سوريا

✍️ يوحنا عزمي

كان واضحاً من طبيعة الاتصال الهاتفي الذي جرى اليوم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – وهو الإتصال الثاني بينهما خلال أيام قليلة فقط – أن ما يدور خلف الكواليس يتجاوز المجاملات الدبلوماسية ، ويكشف عن درجة عالية من الحساسية السياسية والقلق المتبادل حول مستقبل الإقليم كله ، وتحديداً الساحة السورية التي عادت لتصبح محور الحسابات الكبرى بين موسكو وتل أبيب.

فقد نقلت وسائل الإعلام الدولية أن الحديث بينهما دار بشكل أساسي حول الوضع في سوريا والمنطقة ، لكن ما  بين السطور كان أهم بكثير مما ظهر في التقارير.

بوتين، كما بدا من مضمون المكالمة ، أراد أن يبعث لنتنياهو برسالة مزدوجة : الأولى طمأنة واضحة بأن روسيا تعتزم تعزيز حضورها في سوريا عبر دعم الجيش السوري الجديد بالأسلحة والخبراء والمعدات والخبرات العسكرية ، والثانية تأكيد أن هذا الدور الروسي لن يكون تهديداً لإسرائيل ، بل – وفق رؤية موسكو – سيؤدي دور “صمام الأمان” الذي يمنع الفوضى والانفلات داخل سوريا مع تعدد القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على أراضيها.

بدا بوتين وكأنه يحاول إلغاء أي مخاوف قد تتولد لدى نتنياهو من عودة النفوذ الروسي بعمقه الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي والفني ، مؤكداً له أن إسرائيل ستكون في قلب دائرة المتابعة ، وأن كل خطوة روسية ستتم بمعرفة تل أبيب ومن خلال استمرار تبادل المعلومات الأمنية والتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين.

ومن المثير فعلاً أن رئيس دولة بحجم روسيا ، بكل ما يمثله من ثقل دولي ، يجد نفسه مضطراً لإجراء اتصالات متكررة مع رئيس وزراء إسرائيل لإقناعه بدور روسي أكبر في سوريا ، وكأنه يقدم “طلب إذن” مشفوعاً بضمانات أمنية مشددة.

هذا المشهد وحده يعكس حجم التحول في موازين القوى داخل الشرق الأوسط ، ويجعلنا ندرك كيف أصبحت إسرائيل – بدعم أمريكي مطلق – جهة لا يمكن لأي قوة دولية تجاهلها حين يتعلق الأمر بسوريا أو غيرها من قضايا المنطقة.

بل إن بوتين نفسه بدا مستعداً لفتح كل الملفات لنتنياهو، من نوعية السلاح الذي سيذهب لدمشق إلى مستوى الخبراء الروس الذين سيعملون هناك، مروراً بآليات الرقابة والتنسيق المشترك، حتى يضمن أن اعتراضات تل أبيب لا تتحول إلى عرقلة للمشروع الروسي.

ورغم هذا ، فإن من المرجح أن موافقة نتنياهو – إن صدرت – ستكون مشروطة ومليئة بالتفاصيل الدقيقة والقيود الصارمة ، فإسرائيل لديها سجل طويل في مراقبة كل صفقة سلاح تمر بالشرق الأوسط ، عربية كانت أو غير عربية ، وتضع معايير أمنها فوق كل اعتبار.

ومن شبه المؤكد أن أي خطوة روسية في سوريا ستظل تحت المجهر الإسرائيلي بشكل مستمر ، إذ لا ثقة كاملة   لدى تل أبيب في أحد ، مهما كثرت التعهدات.

ولا يمكن تجاهل أن قدرة إسرائيل على ممارسة هذا القدر من الضغط والتدخل لم تكن لتصل إلى هذه الدرجة لولا الدعم الأمريكي غير المحدود لها ، خاصة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية التي توفر لها غطاءً سياسياً واستراتيجياً غير مسبوق.

هنا فقط نسترجع أيام الاتحاد السوفيتي ، حين كان التوازن الدولي أكثر وضوحاً ، وحين لم تكن إسرائيل قادرة على مخاطبة موسكو بهذه اللغة وهذا القدر من النفوذ.

وفي النهاية ، فإن ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط يكشف بوضوح أن مركز القرار النهائي في شؤون المنطقة  لم يعد موزعاً كما كان ، بل بات يميل نحو تل أبيب ، مدعوماً بواشنطن ، وممسكاً بخيوط حساسة تمتد من سوريا إلى غيرها.

وهكذا تحولت إسرائيل إلى بوابة الموافقات النهائية في كل ما يتعلق بمستقبل الإقليم ، في مشهد يعكس كيف تغيرت المنطقة، وكيف تبدلت موازين القوى حتى أصبحت القضايا المصيرية لا تُحسم إلا بعد أن تمر عبر العاصمة التي كانت يوماً مجرد لاعب إقليمي صغير ، ثم تحولت تدريجياً إلى شريك في صياغة مصير الشرق الأوسط كله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!