مقالات

الساعة الأخيرة في الكاريبي .. هل بدأت لحظة الإنفجار بين أمريكا وفنزويلا؟

✍️ يوحنا عزمي

أحداث فنزويلا وصلت دلوقتي لمرحلة ما بقتش مجرد أزمة داخلية أو نزاع حدودي ، بل تحولت لمواجهة جيوسياسية محتدمة قد تشعل المنطقة بأكملها.

تصريحات الرئيس الأمريكي وقراراته الأخيرة خلت المشهد يتصاعد بسرعة : إعلان إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا وتحويل الأجواء لمنطقة عمليات ، كان بمثابة إشارة واضحة أن واشنطن رفعت سقف الضغوط إلى أقصى حد، وده خلق حالة من الذعر في كاراكاس وحول السواحل الكاريبية.

المعطيات العسكرية على الأرض والبحر بتدعم الكلام ده؛ في تحرك أمريكي غير مسبوق شهدت المنطقة تراكماً لسفن وبوارج وقواعد مؤقتة ، ووصول حاملة الطائرات العملاقة مع مجموعة مرافقة وعدد كبير من الجنود ، وكل ده يدي الولايات المتحدة القدرة على تنفيذ ضربة جوية واسعة النطاق لو صدر أمر من أعلى الهرم السياسي. وجود مثل هذه القوة ليس مجرد مسرحية ضغط دبلوماسي، بل عامل يغير من حسابات كل طرف في اللعبة.

في الخلفية بيتحرك ملف النفط والموارد كأكبر دوافع الصراع ؛ فنزويلا تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والمعادن ، وروابطها مع روسيا والصين وإيران خلتها شريكاً استراتيجياً لهؤلاء اللاعبين ، وده بدوره جعل واشنطن تنظر للملف كقضية أمن قومي وليس مجرد نزاع إقليمي.

السيطرة على صادرات الخام وإيقافها يمكنها أن تقلب موازين التمويل السياسي والعسكري داخل النظام، وده بالضبط اللي الولايات المتحدة بتحاول تحقيقه عبر خنق إمدادات المادة المساعدة اللازمة لتصدير النفط الفنزويلي.

ما زاد التأزم هو المواجهات البحرية الأخيرة : تقارير رصدت محاولة ناقلة روسية تدعى “Seahorse” توصيل شحنات وقود حيوية إلى فنزويلا ، ووجود مدمرة أمريكية أوقفت مسارها وأجبرتها على تغيير وجهتها، والحوادث دي بتوضح بجلاء أن الصراع انتقل للبحار وأن واشنطن عازمة على قطع أي شريان لتمويل النظام الفنزويلي. التحكم في خطوط الإمداد دي أصبح جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية لعرقلة قدرة مادورو على الصمود اقتصادياً وعسكرياً.

على الصعيد السياسي جرت اتصالات مباشرة بين الرئيسين؛ البيت الأبيض اعترف بوجود مكالمة بين ترامب ومادورو، وتقارير عديدة نقلت تفاصيل عن عروض أميركية تضمنت منح مخرج آمن مقابل تنحي مادورو أو إطلاق صفقة رحيل لنخبه، مقابل رفض مادورو لبعض الشروط أو مطالبات بعفو عام لنفسه ولحلفائه ، وهو ما أدى إلى نفاد المهلة ورفع منسوب التصعيد. الكلام ده حط واشنطن أمام خيارات واضحة : قبول تسوية تفاوضية أو الانتقال لخيارات أكثر حدة بما فيها العمل العسكري أو توسيع العمليات البحرية والجوية.

ولأن المشهد مزيج من الضغط الاقتصادي ، التضييق البحري ، والتهديد العسكري ، فالمخاوف الآن مش بس من عملية إنزال أو غارة جوية ، لكن من تحول الوضع إلى حالة حرب استنزافية طويلة تشبه إلى حد ما ما حدث في أوكرانيا : تدخلات محدودة لدول داعمة ، دعم لوجستي وصاروخي يطيل أمد المواجهة ، ومحاولات لتحويل البلاد إلى ساحة استنزاف تستنزف العدو مالياً وسياسياً.

السيناريو ده لو اتحقق ، هيخلي الصراع يمتد ويتشابك مع ملفات دولية أكبر، ويُدخل قوى إقليمية وعالمية في مواجهة مباشرة أو بالوكالة.

الخلاصة اللي بنواجهها دلوقتي إن الأمور قريبة جداً من نقطة تحول : الضغوط الأمريكية اتصاعدت لأقصى مراحلها، القوى الدولية الداعمة لمادورو بتحاول تمنحه مساحة للبقاء وتطويل أمد المواجهة ، بينما واشنطن بتحاول عبر أدوات بحرية واقتصادية وسياسية تفكيك عماد بقاء النظام.

السؤال الحقيقي مش بس عن ما سيحدث في الساعات القليلة القادمة بقدر ما هو عن شكل العالم بعد هذا الاشتباك: هل ستنجح صفقة خروج تحفظ ماء الوجه لنخبة مادورو، أم أن الصدام سيأخذ شكل اشتباك أوسع؟

في هذه اللحظة، كل الاحتمالات متاحة، والتطورات القادمة هتكون حاسمة في رسم خريطة النفوذ في أمريكا اللاتينية والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!