ابداعاتقصص

“العشاء الأخير”

لُجين سامح.

 

 

“في السابع من أكتوبر، أحملُ مظلّتي القرمزية، أسفلَ المطر، ألقي بحقيبتي جوار الطريق، أخرجُ هاتفِي، اضغط زر البدء.. وأسيرُ منتشيًا، بخطواتٍ ثابتة، انقلُّ قدميّ بينَ جهتيّ الصمت. 

 

الصوتُ خلفِي يتزايد، الثانية عشر بعد منتصف الليل، العجوز تصرخ، مراهق يعبث بعجلة القيادة، وامرأة تحملُ رضيعًا تجلسُ أمام المحطّة.. منتظرةً القطار القادم.

 

وأنا أعبثُ بسيجارتِي، اسحقها بيديّ، القيها على قارعةِ الطريق -كحقيبتي تمامًا-، اسمعُ صوتَ هاتفِي:”بدأ العدّ التنازليّ.. 3,2,1″

 

الانفجارُ يدوي من خلفِي، مظلتِي تغرقُ في المطرِ، خطواتِي تزدادُ ثقلًا، عيناي غارقتان في الظلام، رأسي يتدلى إلى الأسفل-كموتٍ رحيم-، يداي تخرجانِ سيجارةً أخرى، بدأ عداد الاحتراق.”

 

هذهِ فقط البداية.. أو هكذا خلتها.

أمام البناية رقم 7 أقفُ في يومٍ قائظ الحرّ، في وقتِ الظهيرة، وانتظرُ خروجها من الداخل.

 

كانت حنطيّة البشرة، شعرها أسودٌ قاتم، حادة العينين، لها ملامح خرجت من حكاية- بوليسية ربما-.

 

لو أنها كانت ذكرًا لكان سفاحًا، الصورةُ الأولى على صفحةِ الجرائم ومكتوب جوارها بتوقيع مجهول-في الغالب ستكون أنثى- :”سفّاح يقتل الفتيات في المقام الأول، بعد أن يقعن بحبّه. أفرجَ عنهُ مؤخرًا، لأنّ القاضِي كانت أنثى. الآن نحنُ في خضمِ صراعٍ مع فتنةٍ مُهلكة، إمّا أن تُقتل حُبًّا، أو بسلاحٍ ناري.

أيهما اخترتِ، فقط اغلقي بابكِ سيدتِي. فالنهاية قادمة.”

 

ربما هذا السبب الوحيد الذي جعلني بشكل ما أقع في حُبّها.

 

خرجت أخيرًا إلى الخارج، بادلتني التحيّة، تأبطت ذراعيّ، نظرت من حولها عدة مرات، تأكدت أن لا أحد يراقبنا، ووضعت في جيبي طردًا أسودًا -يسع جيبي بالكاد -، وعليه قصاصة ورق.

 

ابتسمت، نظرت إليّ مطولًّا، همست: أنا آسفة.

لم أكن أدري لِم الأسف، لِم الشرار الذي يقدحُ من عينيها، ولِمَ نقف في منتصف أغسطس في الساعة الواحدة ظهرًا في شارعٍ خالٍ وفي جيبي طردٌ أسود!

 

“آسفة على ماذا؟”

“على ما سيحدث الآن..”

“ما الذي..”

 

لم أكد أكمل سؤالي حتى دوت صفارات إنذار الشرطة، نظرةٌ حانية، قبلةٌ مختطفة، زجاجة العطرِ في جيبي الآخر.

ترحل وتتركني وحيدًا. الشرطة تقترب، وأنا أحاول فتح الطرد الذي أغلق بإحكامٍ كأنّه يحتوي سرًّا عظيمًا.

 

ناديتها عدة مرات بلا جدوى، اختفت داخل حدودِ الشوارعِ المشتبهة. وفي لحظةٍ واحدة..

كانت يداي مقيّدتان، شرطيين ضخام الجثة واحد عن يميني والآخر عن شمالي، أين أنا الآن؟

في سيارة شرطة، لأقدم إفادتي.

أيّ إفادة وما الجرم الذي اقترفته؟

تأكدت لاحقًا أنه فقط.. كان الحُبّ، الحُبّ تركني في زنزانةٍ مظلمة، جوارَ سفاحّين محترفين.

 

“أي جرمٍ اقترفتهُ غير أني أحببتُكِ؟”

“ربما ستعلم قريبًا.”

 

يتبع..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!