مقالات

تحولات العالم في 2025 : الأزمات المتشابكة والفوضى في الشرق الأوسط

✍️ يوحنا عزمي 

كلما مر الوقت ، كلما تعقدت كافة أزمات العالم وتشابكت ولا تجد لها حلاً وهذه السطور هي محاولة لتفكيك المشهد الإقليمي والدولي بالغ الغرابة من اجل ان نفهم ماذا يجري حقاً ، ماذا يتم الإعداد لنا ، وإلى ماذا سوف يذهب هذا العالم.

في 2025 الموقف مختلف ، انت بحاجة إلى ان تعرف الأزمة الداخلية في أمريكا اليوم حتى تعرف لماذا تتصرف أمريكا ترامب هكذا حول العالم.

في الولايات المتحدة الأمريكية ، عانى الشعب الأمريكي في سنوات جو بايدن من اجندته الخاصة بالعولمة ، التي مزجت أفكار اليسار بالليبرالية والصوابية لتنتج النيوليبرالية ، عانوا من ازمة اقتصادية خانقة إزاء التضخم وهستيريا رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة، وهستيريا تسلط الأقليات واجندة ديزني ونتفليكس ، إلى جانب عدم فهم من الذى يحكم البلاد حقاً على ضوء وجود رئيس مسن مريض لا يمر أسبوع دون ان يفضح البلاد على الهواء مباشرة.

وقتذاك ، كان الصوت الأعلى في الفريق المعارض هو دونالد ترامب ، القطار الجمهوري السريع ، الذى قام بارضاء الجميع من اجل العودة للبيت الأبيض.

وشتان ما بين الطريق وما بين الوصول .. اذ ما ان تسلم الحكم في 20 يناير 2025، حتى بدأ ينفذ قراءته الوحيدة الأحادية لكل شيء ، هو لم ينفذ وعوده الانتخابية فحسب بل بدأ يتحرك عكسها ، وفى زمن قياسي.

وكان هذا مربكاً .. وصادماً .. حتى للكثير من المقربين منه ، واتضح أنه كافة أفكاره التي راحت تتحول إلى قرارات رئاسية فورية ، ليس لها اى دراسة لمواجهة تأثيرها على الأمريكان ، حتى الأفكار العاقلة العقلانية كان يجب ان يواكبها دراسة.

مثال لذلك .. قراره بتسريح الموظفين وغلق الوكالات والمؤسسات التي تستنفذ الميزانية الأمريكية وهى في واقع الأمر لا تخدم الولايات المتحدة الأمريكية في شيء ولكنها تخدم أجندة شبكات المصالح التي تحكم الغرب والعولمة النيوليبرالية الراسمالية، هذا قرار صحيح ، ولكن كيف تقوم بتسريح هذا الكم من المواطنين دون ان تدرك كارثة ذلك على معدل البطالة ؟ 

كم اسرة فقدت وبشكل فوري ومفاجئ راتبها ؟ هل تعرف معني ان تقوم بضم 100 الف موظف حكومي أمريكي لصفوف البطالة خلال اقل من 55 يوماً ؟ والأرقام تذهب إلى ما هو اكبر من ذلك خلال الأيام المقبلة.

بدأ المواطن الأمريكي يشعر أنه تخلص من رئيس مريض برئيس فقد عقله السؤال الصامت حول العالم اليوم .. لماذا تغير ترامب عن ولايته الأولى ؟ 

 الحقيقة ان البشر يتغيرون .. خاصة في سن دونالد ترامب ، خاصة حينما يكون لديه هذا الكبرياء والشعور بالعظمة ثم يهزم عام 2020 في تزوير فاضح وفج ، ثم ينتصر في ملحمة اغريقية عام 2024 انتصار كاسح.

المواطن الأمريكي كل همه سعر البيض .. يتفق مع ترامب حول التخلص من القيم الصوابية والليبرالية لصالح القيم المحافظة ، يتفق مع ترامب في عدم الذهاب للحرب ، يتفق مع ترامب في وقف غزو المهاجرين واللاجئين يتفق مع ترامب في التوقف عن دعم اوكرانيا ، يتفق مع ترامب في خفض الانفاق ، ولكن ليس على حساب طابور من البطالة سوف يضرب الجميع ولا يوجد بدائل.

هنالك حالة غليان صامت في المجتمع الأمريكي ، رصدتها دوائر الحزب الديموقراطي ، والتعليمات الحالية داخل أوساط ونشطاء الحزب هو الصمت التام، وترك ترامب وحكومة فوكس نيوز التي شكلها تحرق نفسها على الهواء مباشرة في “ترامب شو” الذى يقدمه الرئيس الأمريكي يومياً من البيت الأبيض.

المواطن الأمريكي له خصوصية أمريكية تتعلق بحق تملك السلاح وحق تشكيل الميلشيات ، هذه أمور ليست جريمة في أمريكا، وبعد موجة تسريح للعمال ظهرت في أمريكا اليوم حركة أسقطوا «تسلا» (Tesla Takedown) والتي يقصد بها السيارات الكهربائية التي تنتجها شركة ايلون ماسك.

تم مهاجمة معارض السيارات التابعة له ومقرات الشركات بل وتم حرق بعض عربات تسلا بشكل عشوائي في المدن الأمريكية.

هذه مجرد بداية ، ولكن هذه الفوضى اصبح لها صدى في الشرق الأوسط في المساحة ما بين مصر وتركيا ، من سيناء جنوباً إلى الاناضول شمالاً تقع سوريا ولبنان وفلسطين ، مساحة هائلة يمكن ان تتوسع شرقاً لتضم العراق مساحة فراغ تقريبا.

للمرة الأولي في التاريخ تكون تلك المساحة بهذه الهشاشة ، ميلشيات إسلامية وصهيونية تحكم اشباه دول ، وبقايا دول وطنية تحاول النهوض من الرماد ، وشعوب تحت الاحتلال ، ومشاريع إقليمية تصبح وظيفية إذا ما نظرنا إلى موقعها في الأجندات الدولية.

في هذا الفضاء الجغرافي والجيوسياسي والديموجرافي الضخم ، يحاول الكل تقريباً تصدير مشاكله وموبقاته إلى مصر على وجه التحديد! ولا عجب في ذلك ، ليس لانها مصر وانها الكبيرة والباقية في الشرق الأوسط .. الخ.

 ولكن ان هذه المنطقة تحديداً كان عبر التاريخ هي المصدرة ومصدر اى أزمة لمصر ، لذا كان حكام مصر أقوياء منذ تحتمس الثالث ورمسيس الثاني وصولاً إلى صلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس ومحمد علي باشا دائماً ما يدركون ان الحل هو الرعاية المصرية المباشرة سواء حكم مباشر او وصاية او نفوذ .. الخ.

هندسة الفراغ وصناعة هذه الأزمة ليست عشوائية ، بل خططت لها بريطانيا في القرن التاسع عشر حينما جرى مشروع محمد على ، وادركت بريطانيا ان مصر الهادئة بلا مشاكل يعني ان تذهب مصر إلى الشام والأناضول وربما العراق ، وتحكم قلب العالم ويصبح العالم تحت رحمتها ، لأن هذا القلب يضم كافة طرق المواصلات التجارية وحركة التنقل من الشرق للغرب والعكس.

لذا كانت رؤية بريطانيا منذ عشرينات القرن العشرين هو تفجير الشام واشعاله دائماً في وجه مصر والأخرين في المنطقة ، وكانت البداية بـ فلسطين ثم لبنان واليوم سوريا ومن قبلهم العراق.

هذا الخطر غير المسبوق في منطقة تم ترويج لها تحت مصطلح “الهلال الخصيب” من قبل عالم الآثار جيمس هنري بريستيد في كتابه “مخططات التاريخ الأوروبي” (1914).. فلسطين وسوريا ولبنان والعراق .. اليوم الهلال الخصيب Fertile Crescent هو هلال الفوضى الذى سحق مشاريع الوحدة العربية والوحدة الهاشمية والمحور السني والهلال الشيعي.

هذه السطور ليست تخويف بقدر ما يجب ان يفهم المواطن حقيقة ما يجري في الجوار ، وانه للمرة الأولى يكون هنالك تلك المساحة الكبرى من الفوضى والفراغ ، وللمرة الاولي تلك المناطق تتحول الى ملعب إقليمي مفتوح بهذا الاتساع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!