مقالات

الديكتاتورية الأمريكية بين تطهير الإستخبارات وزيادة الجواسيس

✍️ يوحنا عزمي 

على مدار الأسابيع الماضية ، شهدت الأروقة السياسية حول البيت الأبيض حالة انزعاج نوعية نقلها المتخصصون والمحللون الأمريكيون ، بعد حالة من الاستبعادات الكبرى ، للخبرات ، والشخصيات ، والقيادات المحورية من أدوار ووظائف على أعلى درجة من الأهمية ، ومعها الملف الذي أعلن الرئيس الأمريكي ترامب بدء تنفيذه ؛ بمجرد توليه الرئاسة الأمريكية بحماس كبير من الوزير الأمريكي الشهير “إيلون ماسك”، وجانب كبير من إدارة ترامب فيما أطلقوا عليه “محاربة الفساد” في المؤسسات الحكومية الأمريكية أو التطهير.

هذا الملف كان يستهدف ظاهريا تقليل العنصر البشري المُشوش وتصفية وإغلاق ملفات فساد في مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية ، تصدرها “الفيدرالية والأمن القومي” لوزارة العدل ، والمخابرات المركزية” في صورة وُصفت “بتغييرات وإطاحات.

وقد لاقى هذا الأمر ترحيباً شعبيًا جزئياً بعد ترويجه بأنه يجدد دماء المؤسسات الأمريكية ، ويقلل حدة الفساد داخلها ، ولكن قابله ردود فعل كبيرة غاضبة تزايدت بعد قليل ، خاصة أن هذا يحدث لأول مرة بهذه الصورة الكثيفة والمُعلنة.

حيث ظهر انزعاج وتحذير من هذه الاستبعادات ، وكان أهمها ما يتعلق بالمدعية العام الجديدة للبلاد “بام باندي”، وتغييرات المكاتب الفيدرالية والأمن القومي ، لكن الأبرز كان تحذيرات من خطورة استبعادات القيادات في “جهاز الاستخبارات الأمريكي” مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه “مخاطر كبيرة حالياً ، وأكبر مما سبق ، وتحتاج إلى كل الخبرات الحالية والاستشارية من الاستخباراتيين السابقين والمتقاعدين داخل “الاستخبارات المركزية الأمريكية”، لزيادة عمليات التجسس في كل دول العالم ، وخاصة الدول ذات الأهمية المباشرة لها ، وكذلك مواجهة خطر الاختراق الصيني بل والروسي داخل أمريكا أيضاً ، وهو ما يلفت الانتباه أن منظومات الأمن السيبرانية والتقليدية في أمريكا ، تعاني من اختراقات التكنولوجيا الصينية تحديداً.

وقد علق نخبة من المللحين الأمريكيين على مخطط الاستبعادات داخل الأجهزة الأمنية والمخابراتية علانية ، واصفين الأمر بأنه من اسوأ قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة ، وأنه سيُضعف موقفها مستقبلًا ، وأنه سيُقلل نشاط التجسس الأمريكي الخارجي ، وأن الولايات المتحدة الأمريكية حالياً تحتاج إلى عمليات تجسس قوية وجريئة ، بل وعدوانية أيضا.

 وحين ننظر إلى هذا الجانب الكبير من التعليقات والتفاعلات الصحفية والإعلامية والسياسية ؛ نرى طرحهم أن “إصلاح الكفاءات” داخل الأجهزة الأمنية والمخابراتية الأمريكية في هذه الفترة ، والاستفادة من الكوادر والخبرات ، أفضل كثيرًا من إجراء استبعادات ، ومحاسبات تحت مسمى “التطهير ومواجهة الفساد” في غير وقته ، وأن أمريكا بحاجة إلى تعزيز موقعها وأدواتها ، وردع الاختراق والتجسس العكسي عليها ، هو الأقرب للعقل السياسي الأمريكي المُعتاد ، حيث وصفوا قرارات ترامب في هذا الملف بأنها غير محسوبة جيدًا ، لأن تقليل العنصر البشري ، ليس دائمًا هو الأفضل ، في ظل حالة تربص وتخوف عالمي ، من السياسة الأمريكية الجديدة التي يصنعها الرئيس الأمريكي ترامب ، وهو ما يوحي لنا بتغيرات كبيرة قادمة.

ومن جانب أخر ، بعض المراقبين من أبناء الدولة الأمريكية العميقة أبدوا تخوفات واضحة من وزارة رجل الأعمال الأمريكي “إيلون ماسك” والتي كلفه بها ترامب ، المُسماة “وزارة كفاءة الحكومة”، ومن إطلاع “ماسك ورجاله” في هذه الوزارة ، على بيانات أجهزة الأمن الأمريكية وفي مقدمتها جهاز المخابرات المركزية ، ووصفوا هذا بأنه أمر خطير.

فالكشف عن الأرقام والبيانات قد يؤدي إلى كشف القوة الحقيقية لجهاز الاستخبارات الأمريكي ، وللمتعاونين معه ، وكشف غطاءاتهم أمام وزارة “كفاءة الحكومة”، التي يرونها بأنها لن تكون محل ثقة للاطلاع على معلومات استخباراتية بهذه الخطورة.

بل وصفوها بأنها قد تكون مُخترقة ببعض الجواسيس ، مما سيصنع تحجيمًا أكبر لمهام المخابرات الأمريكية في الخارج وكشفا لها وصعوبة أكبر في مكافحة التجسس في الداخل الأمريكي ، وأن هذا أمر خطير يكشف أسرار الولايات المتحدة الأمريكية أمام إيلون ماسك ورجاله.

أطراف أخرى كشفت أن هذا الملف كاملاً ، جاء لتطهير مناوئي ترامب وإدارته وتداخلهم داخل المؤسسات ، والتخلص من بعض مراكز القوى أو الثقل ، أو نقاط التلاعب داخل الحكومة وخصومها ، وأن ما يحدث ليس مجرد تحجيم زيادة عدد الموظفين ، أو تقليل العنصر البشري وإنما دعماً لاستقرار حكم ترامب ، وتمرير رؤيته كاملة دون عرقلة أو تعديلات من جانب المؤسسات ، والتحكم المالي فيها بشكل أكبر حيث يرون أن هذا أمر مُقلق على طبيعة تكوين المؤسسات الأمريكية مستقبلا.

المشهد الأمريكي من هذه الزاوية ، وتحركه و تكشفه البطيء فيها ، والتخوفات وردود الفعل ، وإصرار ترامب على استكمال مسيرة ولايته الثانية بالرأي الأوحد للبيت الأبيض ، والتلاصق مع وزيره إيلون ماسك رجل الأعمال التكنولوجي الأشهر ، وتخوفات الدولة العميقة من هذا ، يُقرأ منها شواهد كثيرة ؛ ليس فقط على مستقبل العالم تكنولوجيا وبشرياً والنوايا المرصودة له ، ولكن على المسار الأمريكي الداخلي القادم ؛ حول الديمقراطية ، التي بدأ تقويضها الحاد فعلياً ، لتوطيد وتعميق إدارة ترامب أمام المؤسسات الأمريكية ؛ التي كانت تملك القرار وتقود وجهات النظر قُبالة أي إدارة في البيت الأبيض.

فالاتهامات العلنية بالتخوين للوزير “إيلون ماسك” ووزارته ، والتشكيك في أمانتهم على أسرار المخابرات الأمريكيّة ، وتصوير وزارته بأنها مُخترقة وتحتوي على جواسيس وعملاء لدول أخرى ، والتخوف من تعميق ترامب لأذرعه في المؤسسات الأمريكية ولو على حساب أسرار الدولة ، وإصرار الرئيس الأمريكي وإدارته ، على تنفيذ أمور تخالف العُرف والمنهج المعمول به أمريكياً ، يكشف عن تغير كبير في قواعد النظام الأمريكي العميق ، وأن ترامب قد استفاد من درس ولايته الأولى ، وجاء بخطة تكفل له تنفيذ كامل لرؤيته ، ورؤية اللوبي الصهيوني معه ، بأقل عراقيل ، ودون مُعارضة داخلية تُذكر.

 كما كشف هذا الاشتباك المُعلن المُتصاعد ، عن أن دونالد ترامب يفهم المجتمع الأمريكي جيداً ، ويروج له “الوجوه” التي تلائم “الحلم الأمريكي” وأنه يستطيع صناعة “بروباجندا” مُقنعة للأمريكيين ، ويستخدم أدواته جيداً حتى حول قرارته التي تحمل في عمقها مخاطر كبيرة على طبيعة الولايات المتحدّة الأمريكية في نظر الديمقراطيين.

وبالتالي فإن الأمر يؤكد أن النهج السياسي العالمي القادم ، سيكون محمولاً بالمفاجآت ، وسيرفع من حجم خطورة “دولة كُبرى” تصنع هيكلة جزئية بطيئة لمؤسساتها الداخلية ، لتتناسب مع قرارات رئيسها الجديد بشكل معلن للجميع.

في حين أن اعتراض نُخبتها ؛ جاء على إجراءات تنفيذ القرار ، خوفاً من كشف معلومات الجواسيس ، الذين يرى جانب مهم من مُفكري أمريكا الأوفياء أن زيادة أعدادهم وتجنيدهم وحمايتهم مطلب أمريكي عادل.

وأن تكثيف عمليات التجسس ضد كل دول العالم ، وممارستها بعدوانية هو الأفضل لأمن أمريكا ، في حين يتجاهلهم الرئيس الأمريكي ترامب ، مؤكداً أنه يحمل للعالم خطة ، اسوأ وأفظع من هذا بكثير وبوجه ديكتاتوري مُناسب ، قد ينسف بهما مفهوم “الديمقراطية الأمريكية” ويعدل المفهوم الدولي للأمن والإستقرار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!