مقالات

كل الطرق تؤدي إلى الحرب ما لم تنحنِ طهران لشروط واشنطن

محادثات عمان على صفيح ساخن .. والقرار في واشنطن

✍️ يوحنا عزمي 

بدأت التكهنات والتخمينات تتردد في أوساط المحللين السياسيين المحليين والخارجيين حول أسباب الذهاب المفاجئ لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلي واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل ثلاثة أيام من بدء المحادثات الأمريكية الإيرانية في سلطنة عمان ، ثم عودته السريعة بعد الغاء المؤتمر الصحفي الذي كان من المقرر ان يظهر فيه مع الرئيس ترامب.

وراينا اللقاء الذي جمع بينهما في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض وقد حضره وشارك فيه نائب الرئيس د. فانس، ووزيرا الخارجية والدفاع ، ولم يقتصر عليهما وحدهما ، وهو ما يؤشر بخطورة وأهمية ما طرح خلاله من موضوعات لاخذ الرأي فيها.

وانتهاء هذه الزيارة الخاطفة دون صدور بيان مشترك حول نتائجها، هو ما يستند إليه بعض المحللين كمؤشر علي فشلها ، وعلي اخفاق نتنياهو في تحقيق الهدف الذي ذهب من أجله إلي هناك .. وهذا هو بالضبط ما اتحفظ عليه إلي حد رفضي له لعدم اقتناعي به ، ولأن هذه العودة السريعة كانت مجرد تكتيك في الإخراج ، وليست مؤشر فشل او غيره من التفسيرات السلبية التي هي عادة الاسرع والأسهل لدي هذه الفئة من المحللين السياسيين.

ما يعزز قناعتي بما اقوله هو ان نتنياهو ذهب إلي واشنطن بدعوة رسمية من الرئيس ترامب نفسه لإجراء مشاورات اللحظة الأخيرة التي تسبق إتخاذ القرارات المهمة والحاسمة في ما سوف يكون عليه رد فعل الإدارة الأمريكية من إيران إذا ما رفضت في محادثات عمان تفكيك برنامجها النووي او التوقف عن تطوير وانتاج الصواريخ الباليستية ، وهل سوف يتبع ذلك وعلي الفور الدخول معها في حرب شاملة وفق السيناريو الأمريكي الإسرائيلي الموضوع لهذه الحرب الشرق أوسطية الكبيرة ، ام انه سوف تكون هناك فترة انتقالية يتم فيها تغليظ العقوبات وأحكام الحصار علي إيران مما قد يرغمها علي تغيير موقفها والاستسلام للشروط والاملاءات الأمريكية. 

وأعتقد أنه لو لم يكن هذا هو الهدف من زيارة نتنياهو في حضور هذا الحشد الخطير من كبار المسئولين الأمريكيين ، لامكن الاكتفاء بالمشاورات الهاتفية بين نتنياهو وترامب ، او لذهب احد كبار أركان الإدارة الأمريكية إلي تل أبيب للحصول من نتنياهو علي الإجابة الإسرائيلية المطلوبة .. ولا يجب ان ننسي هنا ان قائد القيادة المركزية الأمريكية كان في تل أبيب منذ بضعة ايام للتنسيق والتشاور والترتيب لسيناريو الحرب علي إيران ودور إسرائيل فيها ، سواء كان دوراً رئيسيا او دوراً داعما ومساندا ، الخ.

رجوع نتنياهو السريع إلي تل أبيب تم بإيعاز من الرئيس ترامب نفسه ، حتي لا يبدو نتنياهو أمام العالم وكأنه هو صاحب القرار الحاسم والنهائي في كل ما يجري الآن بشأن إيران ، او أنه هو من يقود هذه المحادثات ويدفع بها في المسار الذي يحدده لها وان ترامب وإدارته هم مجرد منفذين وليسوا أصحاب القرار.

وهو ما حرص ترامب بعودة نتنياهو السريعة إلي إسرائيل علي تبديده ، وليبدو هو وكأنه هو من يدير سيناريو المواجهة الجديد مع إيران من البداية إلي النهاية .. واعتقد ان نتنياهو يتفهم هذا جيدا ولا يعترض عليه لما يكتنف هذا الأمر من حساسيات سياسية شديدة .. ورجع من حيث جاء بلا أدني إحساس بالاخفاق او الفشل كما يتوهم بعض المحللين هنا او هناك. فبين الرجلين مساحة كبيرة من التفاهم والتوافق علي الشرق الأوسط الجديد الذي يسعيان إلي إيجاده سواء بالحرب علي إيران او بغير هذه الحرب .. وهذا هو فهمي وتفسيري لما حدث خلال الساعات الأخيرة.

بعد عودته إلي إسرائيل ، جاء نتنياهو ليعلن ان تفكيك البرنامج النووي الإيراني يجب ان يكون مسئولية الولايات المتحدة وحدها وليس مسئولية الوكالة الدولية للطاقة الذرية او اي طرف دولي آخر وهذا الإعلان يكفي وحده مؤشراً علي شكل المباحثات الأمريكية الإيرانية المقبلة في سلطنة عمان بعد أيام.

وربما لهذا ومن أجله هو ما حرص نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلي واشنطن علي مطالبة الإدارة الأمريكية بالتمسك به والإصرار عليه وعدم التنازل عنه لتدمير هذا البرنامج النووي الإيراني نهائيا مرة واحدة وإلي الأبد .. وهو غالبا ما سوف يحدث ، اقصد ان هذا هو البديل الذي سوف يطرحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في هذه المباحثات كثمن لتجنب الحرب والذي لا اعتقد أنه سوف يساوم عليه او يتراجع عنه مهما كان الموقف الإيراني رافضا له او غير متجاوب معه ، وربما هذا هو ما يريدونه منها في واشنطن وتل أبيب لعدم إضاعة المزيد من الوقت في مفاوضات مطاطة وفاشلة دون التوصل إلي إتفاق ضمن الإطار الذي حددوه او خططوا له.

 هذه لن تكون مباحثات بالمعني الحقيقي بالمفاهيم الدبلوماسية المتعارف عليها ، فضلا عن أنه لن يكون فيها مجال للحوار الحر للتوصل منه إلي حل توافقي متوازن ، هذا بالإضافة إلي عدم توفر عامل حسن النية في إدارتها لدي الإدارة الأمريكية ، فهي إدارة متنمرة وعدوانية في توجهاتها وسياساتها ولا تقبل بالاختلاف معها ، وانما سوف تكون هذه المباحثات في عمان حزمة كبيرة ومستفزة من الشروط والضغوط والاملاءات الأمريكية باكثر الأساليب القسرية والاكراهية تشددا ومغالاة بصرف النظر عن ما قد يفضي إليه رفض إيران لها من عواقب وخيمة علي كافة الأصعدة الإقليمية والدولية.

وعلي إيران ان تفاضل وتختار فيها اما بين الاستسلام المهين او الحرب المدمرة التي قد تاخذها بعيدا إلي الوراء او تهوي بها إلي اسفل في ظل ضيق الوقت وصعوبة الظروف والأوضاع الداخلية وانعدام هامش المناورة أمامها ، وفي غياب اي دعم دولي او إقليمي حقيقي لإيران يمكنها التعويل عليه في حساباتها لهذا الموقف التفاوضي المتوتر والصعب والذي ينذر بمخاطر أمنية وسياسية واقتصادية وبيئية لا حدود لها فيما اذا كانت وجهة هذه الحرب هي تدمير مفاعلاتها النووية ، وفي إنتظار ما سوف تحمله لنا الأيام المقبلة من تطورات لنعرف وقتها في اي المسارات سوف تتحرك الأحداث في منطقة هي الأكثر سخونة واضطرابا وتوترا في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!