ـ ملك كرم الهواري.
بعد عامٍ من الآن، سأُحدِّثُ الأيام عن حنينٍ يجرفه الزمان في بحارٍ من الآلام، عن غيابٍ تملَّك صدرًا ونبشه كما تنبش الكلابُ الأراضي المقفرة، عن عيونٍ تحمل الحب بين خلاياها وأخفته خلف ستارٍ من الفتورِ؛ فتعجَّل الفراق وآن حضوره.
بعد عامٍ من الآن، سأُحدِّثُ السماء أننا استظلينا بسحابِها، أسفله كنَّا نتبادل الضحكات، تخبرني أن تلك الغمامة تبدو كالفراشةِ؛ فيشردُ ذهني بفراشةٍ تجاورني، ويهيمُ قلبي في حروفِها العذبة اللا مثيل لها، حروفٌ تنسابُ كما الماء الرقراق في النهرِ الجارِ.
بعد عامٍ من الآن، ستعاتبني جدران بيت جمعنا، سيعلو صدى صوت لا يسمعه إلانا يقول: أفارقت الحبيب؟ أغرقتك الخطايا في بحرٍ لُجيٍ من الغفلةِ؛ فكان العقاب غيابها.
بعد عامٍ من الآن، سيتبدلُّ الفتور في العيونِ بالانكسار، سأستظلُّ بالسحابِ وحدي، وأُبلِّغُ السماء أن الفراشة عثرت على بستانها الآمن وسكنت إليه، وتحررت من سجنِ بستاني القاحل وأصفاده الموجعة، سيجفُّ منبعكِ الرقراقِ، ويرون الصمتُ وحدتي ويظمأ قلبي ويناجي اللّٰه أن يُعيد نهركِ المُنساب، وأن تُكتب لنا العودة، فما أصبحت الحياة من بعدكِ حياة.
بعد عامٍ من الآن، ستشهدُ الدنيا خسارةً فادحةً لي، وانتصارًا عظيمًا لقلبكِ.