ملك كرم الهواري.
كُلما استيقظت في صبحٍ؛ تناسيتُ ما حلَّ بليلي، وكرهتُ أن أذكره، أُشغل عقلي بأعمالي، بالتمعُّنِ في أشجارٍ تترنم على أغصانها الطيور، تُغرِّدُ بعذوبةٍ؛ لتُنسيني مرارة التفكير، ولئلَّا ينخرط ذهني فيما يُهلكه ويُضنيه همومًا سرمدية.
حينما ينجلي الصباح ويطوي صفحاته، يتنزل الليل بأستارهِ المُظلمة، تمضي الأشغال إلى سباتٍ عميق وكأنَّها تستريح من هروبي إليها في الصباحِ، ويغيبُ عن أذني تغريد الطيور كما لو أصابها الملل من إنصاتي لها في خلوتها.
أعودُ ليلًا محملةً بخيباتٍ أخرى، لأتقوقعُ في غرفتي وحدي، يأتيني صوتٌ داخلي: «هربتِ طوال اليوم، الآن تخلَّت عنكِ الدنيا بأجمعها، وتركتكِ في بحارٍ من الأفكار لا تنتهي.»
أبكي بحُرقةٍ، ألوذ إليهِ وحده، أرفع كفيّ والجمرةُ في صدري لا تنطفئ، أعضُّ على أناملي، أناجيه: «أنا الأَمَة الفقيرة، أتيتك بمفردي، تجرَّدتُ من الدنيا وما فيها، أنا فقط.. هُنا، أمتك التي خلقتها، لا التي يعرفها الناس.
أدعوك أن تغفر لي، أن تمحو ذنوبي كما لو لم تكن أبدًا، أن تزيل عني كُرُبات الدنيا، وأعوذ بك من ضجيجٍ يعجُّ رأسي ويثقله، من همومٍ أغرقُ فيها، ولا تنتشلني منها يد.»
أفزع إليه كل ليلٍ، ألجأ إلى صلاةٍ تُحيطني بهالةٍ من السكونةِ، أدعوه وأناجيه ألَّا يتركني لعقلي ليهلكني، وألَّا يؤاخذني بذنبٍ تماديت فيه، وعَسُر عليَّ تركه، فذنبي عظيم وربي أعظم!
وآياته تمسح على صدري، تتنزل عليّ السكينة، وينهش فيّ الندم في آنٍ واحد، وأقول: «آهٍ.. لو كانت الدنيا أقل قسوة على أفئدتنا، آهٍ.. لو كنتُ طيرًا، ألوذ إلى أغصانِ الدنيا، وأُغرِّدُ بصوتٍ عذب، لا أحملُ همًا ولا الذنوب تتثاقل على كاهلي.»
ويأتيني الجواب من مولاي، ويتردد إلى أذني قبل أن تغرق عيناي في الظُلُمات: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
فأنام مطمئنة البال، خالية الذهن من الصراعات الدائمة، فاللّٰه عالمٌ بي.. وبقلبٍ لا يملك سوى المحاولة ألفًا مهما ضاقت به الدنيا.