مقالات

سوريا على صفيح ساخن : بين فوضى السويداء وغارات إسرائيل .. هل تنهار الدولة مجدداً ؟

✍️ يوحنا عزمي

بين جبال السويداء وامتدادات البادية ، يتكرر مشهد لم تكن ذاكرة السوريين قد نسيت مثيله منذ بداية الثورة عام 2011. هذه المرة ، ليست حرباً ضد النظام ، بل حرب بين أبناء الأرض الواحدة : الدروز من جهة ، وقبائل البدو من جهة أخرى. السبب : عملية سرقة تطورت إلى اشتباكات دامية ، لتكشف هشاشة البنية الأمنية في الجنوب السوري حتى بعد سقوط النظام.

القتال سرعان ما تحول إلى ما يشبه الحرب الأهلية المصغرة ، تتخللها عمليات إعدام ميداني ، وتهجير جماعي ، وتصفية حسابات عمرها سنوات. العشائر تُعبئ مقاتليها، والدروز ينشرون حواجزهم ، والدولة .. تراقب من بعيد أو تتدخل بحذر.

القصف الإسرائيلي : حماية الدروز أم إضعاف سوريا؟

في ذروة المعركة الداخلية ، جاء القصف الإسرائيلي كصاعقة في سماء ملتهبة. طائرات F-35 الإسرائيلية شنت سلسلة من الغارات الدقيقة طالت وزارة الدفاع السورية ومجمع رئاسة الجمهورية في ريف دمشق. لأول مرة منذ سنوات ، تضرب إسرائيل قلب السلطة الجديدة في دمشق.

تل أبيب أعلنت أن هدفها هو “منع ارتكاب مجازر ضد الدروز في الجنوب”، لكن الحقيقة أعمق من ذلك. فإسرائيل لا تتحرك بدافع “الرحمة الطائفية”، بل بهدف هندسة التوازنات جنوب سوريا، وإبقاء الدولة السورية منقسمة وضعيفة وغير قادرة على إعادة السيطرة.

من يسكن القصر اليوم؟ ومن يتحكم في الدولة؟

منذ سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024، بقيت دمشق بلا رأس واضح. الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع لا تزال عاجزة عن فرض سيطرتها على كل البلاد. شمال سوريا تسيطر عليه الميليشيات الكردية بدعم أمريكي. الغرب والجنوب تحت هيمنة فصائل محلية ، بينما الشرق ما زال مسرحاً لعصابات النفط والمهربين.

فوضى السويداء ، وغارات إسرائيل، وتفكك الدولة.. كلها مؤشرات أن “ما بعد الأسد” ليس بالضرورة أكثر استقراراً من “ما قبل الأسد”. بل على العكس ، قد تكون لحظة ما بعد الطاغية ، هي لحظة انبعاث الشياطين النائمة.

صمت دولي .. وقلق إقليمي

حتى الآن ، تبدو الأمم المتحدة “تدين وتطالب”، دون خطوات عملية. الولايات المتحدة أبدت قلقاً ، لكنها لم ترسل أي قوات فصل أو وسطاء. أما روسيا، التي خرجت من المشهد السوري مع انهيار الأسد ، فلا تملك الآن إلا الورق دون نفوذ.

في المقابل ، الأردن قلق من التهديد على حدوده ، ولبنان يترقب نتائج النزوح الجديد. أما إسرائيل ، فهي تتحرك وحدها – ناراً وقصفًا – لتعيد ترتيب الجنوب وفق خرائط أمنها لا مصالح سوريا.

ختاماً : سوريا ليست بخير .. والمرحلة القادمة أخطر

ما يجري اليوم في السويداء ودمشق ليس حدثاً عرضياً بل علامة على أن الدولة السورية ما زالت “كيانًا هشًا”، قابلًا للانهيار في أي لحظة. فالثورات لا تضمن دائمًا تحرر الشعوب ، بل أحياناً تفتح أبواب جهنم على مصراعيها.

يبقى السؤال : هل يملك السوريون اليوم فرصة لإعادة بناء وطن لا تُحكمه قبيلة أو طائفة أو طائرات أجنبية؟

أم أن سوريا في طريقها إلى أن تصبح “أرضاً بلا سيادة تحكمها البنادق والحدود الوهمية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!