✍️ يوحنا عزمي
تتقاطع المصالح الإسرائيلية والتركية اليوم في تحالف غير معلن، لكنه واضح في آثاره ومخرجاته ، يستهدف تفكيك وتطويع المنطقة العربية. هذا التحالف ، وإن اختلفت أساليبهما ، إلا أن أهدافه تبقى موحدة : السيطرة ، والتمدد ، واستغلال لحظة الضعف العربي.
إسرائيل .. الوجه العاري للتحالف
تلعب إسرائيل دورها في هذا التحالف بوقاحة ووضوح ، مدعومة بقوة عسكرية متفوقة ودعم أمريكي غير مشروط. لا تخفي تل أبيب أطماعها ، بل تسعى لفرض واقع جديد عبر الحروب والاغتيالات وفرض الهيمنة الأمنية ، بما يضمن أمنها ويكرّس وجودها كقوة إقليمية كبرى ، مهما كانت الكلفة على الشعوب العربية.
تركيا .. القفاز الناعم والمخلب الخفي
أما تركيا ، بقيادة أردوغان ، فتلعب دورها بدهاء وتلون. ترتدي قناعاً دينياً وتتحدث بلغة التعاطف مع العرب، لكنها تمضي بخطى ثابتة في خدمة مصالحها الاستراتيجية، وأحيانًا بالتنسيق مع إسرائيل وبرعاية أمريكية صامتة. هي لا تخوض الحروب، لكنها تحصد النتائج: قواعد عسكرية في ليبيا، أراضٍ محتلة في سوريا والعراق، وتدخلات موجهة في كل صراع عربي دون أن تدفع الثمن.
تركيا .. الحياد الخادع
في كل الأزمات الكبرى التي عصفت بالعالم العربي خلال العقدين الأخيرين، لم تقدم تركيا سوى التصريحات. لم تبذل جهدًا فعليًا لحل أزمة واحدة، بل استفادت من انهيار الجيوش الوطنية والفوضى الإقليمية لتعزيز نفوذها. إنها ليست طرفًا مساعدًا، بل لاعباً يستفيد من ضعفنا.
زيف العداء لإسرائيل
التظاهر التركي بالعداء لإسرائيل ما هو إلا مسرحية لإقناعنا. الحقيقة أن بين أنقرة وتل أبيب علاقات أمنية واستخباراتية وثيقة، تؤطرها اتفاقية التعاون الموقعة منذ 1996، والتي ما زالت سارية رغم كل الزلازل السياسية التي ضربت المنطقة. العداء الإعلامي لا يعكس الواقع خلف الأبواب المغلقة.
الخليج وتركيا .. العلاقة غير المفهومة
ما يزيد المشهد تعقيداً هو العلاقات الوثيقة بين بعض دول الخليج وتركيا، من حيث الاستثمارات والسياحة والتنسيق السياسي، في وقت تُستغل فيه هذه العلاقات لزيادة نفوذ أنقرة على حساب المصلحة العربية العامة. كثيرون يرون في تركيا قوة موازنة لإسرائيل، دون أن يدركوا أن تركيا لا تخدم سوى مصالحها الخاصة، وأنها توظف الجميع على رقعة شطرنج تخوض فيها لعبتها وحدها.
اللوم لا على تركيا بل علينا
لسنا ضد أن تختار تركيا ما يخدمها، فهذا حقها. لكننا نلوم أنفسنا على قصر نظرنا، وعلى سياساتنا المرتبكة التي تجعلنا نراهن على من لا يرانا أصلاً. لقد آن الأوان أن نقرأ المشهد بعيون واقعية، لا رومانسية، وأن ندرك أن ما يجمع إسرائيل وتركيا أكبر بكثير مما يفرق بينهما، وأننا – العرب – لسنا أكثر من أدوات على رقعة مشروعهم المشترك.
ابحثوا دوماً عن إسرائيل وتركيا خلف الستار .. ولا تحسنوا الظن كثيراً بوجهٍ يعرف جيدًا كيف يبتسم وهو يطعن.