مقالات

الانفجار القادم : الشرق الأوسط بين إعادة التشكيل وسباق الهيمنة

✍️ يوحنا عزمي

استكمالاً لما طرحته سابقاً بشأن توقعاتي لمستقبل أكثر عنفاً في منطقتنا ، فإن ما شهدته من تطورات في المرحلة الأخيرة ، من توترات متصاعدة وصراعات دامية ، لم يكن محض مصادفة أو نتائج عشوائية. بل أستند في تقديري هذا إلى قراءة دقيقة للواقع الإقليمي الراهن الذي يكشف عن ملامح مشروع أوسع يُراد فرضه على المنطقة ، مشروع لا يقل عن كونه إعادة تشكيل شاملة لما نعرفه الآن عن الشرق الأوسط.

تبدو الولايات المتحدة وإسرائيل وكأنهما في سباق محموم لإعادة هندسة الإقليم وفق تصورهما الخاص، بما يحقق لإسرائيل حلم “سلام القوة”، الذي لا يعني سوى الهيمنة الكاملة على المحيط العربي والإسلامي ، بعد القضاء على كل مصادر التهديد المحتملة لأمنها القومي. هذا يشمل تصفية قوى المقاومة مثل حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، وكل من يمتد بجذوره نحو إيران.

أما واشنطن ، فهدفها لا يقل طموحاً ؛ إذ تسعى لتجفيف منابع النفوذ الصيني في المنطقة، وإخراج الشرق الأوسط من حسابات “الحزام والطريق”، عبر استهداف أبرز حلقاته الحيوية ومفاصلها، بالإضافة إلى تقليص الحضور الروسي وتهميشه سياسيًا وعسكريا ، حتى لا يعود لروسيا أي ثقل يُحسب في معادلات الإقليم. بهذا الشكل، تأمل أمريكا في استعادة سيطرتها المطلقة على واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية سياسيًا واستراتيجيًا واقتصاديًا.

لكن رغم وضوح الأهداف ، لا تزال نتائج هذا المشروع بعيدة عن الاكتمال. فالصراعات الكبرى لم تُحسم بعد، بل ما زالت تستعر في فلسطين، ولبنان، وسوريا، واليمن، وفي صميم كل ذلك تقف إيران كعقدة أمنية تؤرق تل أبيب وواشنطن على السواء. هذه النقاط الملتهبة، ما دامت بلا حلول حاسمة ، ستظل تهدد بانفجارات إقليمية غير محسوبة النتائج ، وتفتح الأبواب أمام مزيد من الفوضى والانهيار.

من هنا يبدو أن إسرائيل – تحت قيادة حكومة يمينية متطرفة بزعامة نتنياهو – وجدت في إدارة ترامب السابقة توافقًا استثنائيًا على المضي قدمًا في استخدام القوة لحسم الملفات العالقة. فالزمن في غير صالحهم، والفرص الاستراتيجية تتآكل، والمنطقة تمر بأضعف حالاتها من تفكك سياسي، وانقسام قومي، وتراجع غير مسبوق في أولوياتها القومية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لم تعد تشكل محورًا يوحد الأطراف.

وبينما تتلاشى فرص الحلول السياسية وتتراجع مساعي التهدئة، تراهن واشنطن وتل أبيب على فرض واقع جديد بالقوة، مستفيدتين من هشاشة المنطقة، ومن صمت أو تواطؤ بعض أنظمتها، معتقدتين أن ما يمكن تحقيقه الآن في ظل هذا الاضطراب ، لن يكون متاحًا لاحقًا، وأن شرعية “الأمر الواقع” ستفرض نفسها لاحقًا على الجميع.

لهذا، لا يبدو أن للسلام أو الاستقرار مكان في حسابات المرحلة المقبلة. إنهم يخوضون سباقًا مع الزمن، ومع الخرائط، ومع الوعي العربي الغائب، وكل رهاناتهم اليوم تدور في فضاء مختلف تمامًا عما نتصوره نحن أو نأمله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!