✍️ يوحنا عزمي
إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد كرر مرارًا أن بلاده قضت على البرنامج النووي الإيراني ولم يعد له وجود ، وإذا كانت إسرائيل قد أيدت هذا الطرح دون إثارة أي شكوك ، واعتبرت أن المشروع النووي الإيراني أصبح من الماضي ..
فالسؤال المنطقي هو: عن ماذا تتفاوض إيران اليوم مع روسيا والصين، ثم مع دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) نهاية هذا الأسبوع؟
ولماذا تدخل لاحقًا في جولة جديدة من المحادثات مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد؟
المفاوضات الحالية تبدو أشبه بمسار ضبابي مطاطي ، بلا جدوى حقيقية أو أفق واضح. فإيران ، بحسب الرواية الأميركية ، لم تعد تمتلك برنامجًا نوويًا فعالًا يمكن أن يشكل ورقة ضغط في المفاوضات كما كان سابقًا. أما الولايات المتحدة ، فلا تبدو مستعدة لتقديم أي تنازلات أو تخفيف للعقوبات ، بل ربما تتجه لتشديدها إذا لم تقبل طهران بالشروط التي ستُطرح عليها. النتيجة المرجحة: العودة إلى نقطة الصفر ، مع احتمال توجيه إسرائيل ضربة جديدة في أي لحظة.
لكن التناقض لا يقتصر على تصريحات ترامب وحده. فالإيرانيون أنفسهم قالوا شيئًا ويفعلون نقيضه. بعد الهجمات على منشآتهم النووية ، أظهروا تشددًا ورفضًا قاطعًا للعودة إلى مائدة التفاوض ، واعتبروها خدعة غربية متكررة. حينها ، ظن البعض أنهم تعلموا من التجربة القاسية وأنهم سيعيدون النظر في نهجهم. إلا أن ما نشهده اليوم يثير كثيرًا من التساؤلات حول حقيقة نواياهم ، خاصة مع استعجالهم الدخول في مفاوضات جديدة مع إدارة لا يثقون بها.
ما الذي يدفعهم إلى هذه المخاطرة إذًا؟ التفسير الأقرب للواقع هو أن العقوبات الأميركية قد أنهكتهم اقتصاديًا، وأثقلت كاهل الشعب الإيراني إلى درجة لا يمكن احتمالها. لذا، ربما باتوا مستعدّين لقبول أي اتفاق يُخفف عنهم هذا العبء، حتى وإن لم يكن هناك ضمان حقيقي بالتزام أميركي لاحق.
قناعتي هي أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد أولوية قصوى لا لأميركا ولا لإسرائيل. ما يشغلهم الآن هو تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة ومنع طهران من تعطيل مشروعهم لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وربما تكون هذه المفاوضات مجرد اختبار لنوايا إيران ، ومدى استعدادها لتعديل سلوكها مقابل دور محتمل في هذا “الشرق الأوسط الجديد”.
لكن كعادة السياسة الدولية … ما يُقال علنًا شيء ، وما يُناقش خلف الأبواب المغلقة شيء آخر تمامًا.