بقلم – جلال الدين محمد
جاهدت نفسي على مدار ثمان ساعات تمثل فترة دوامي، كان عقلي يرسم لي سيناريوهات أقتل فيها مديري، أو أبرح نائبه الهندي ضربًا. هذا الرجل كلما انفعل وبدأ التحدث بالإنجليزية شعرت أنه يتلو علي طلسمًا ما أو تعويذة سوف أتحول بسببها إلى طبق من الباذنجان.
بطريقة ما اقتنع المدير ونائبه الهندي أن الخطة التي عمل عليها فريقي مناسبة للربع سنة القادمة، وبينما أنطلقت مغادرًا الشركة كالسجين الذي تحرر للتو، جائني إشعارًا برسالة واردة نصها: “هل سمعت قصة الحرب التي اندلعت بسبب إرسال ملصق خاطيء على الواتساب؟”.
“معاذ”، صديق طفولتي لابد أن لديه موقف ما مع السيد عبد القادر، اندفع الأردنالين بعنف بين عروقي بينما اتصل به، وأبادر بقول “ماذا فعل العم عبد القادر هذه المرة؟”.
ضحك “معاذ” وقال، كنت عائدًا من عملي أمس، ومررت أمام المقهى قبل أن يشق صوته طبلة أذني وهو يصيح قائلًا، ابن خالتك المحتال لم يرسل لي الإيصال يا معاذ.
استدرت إليه ببطء كماكينة تحتاج إلى زيت محركات لتعمل، ورسمت ابتسامة مصطنعة، ثم طلبت منه أن يخبرني بما يحدث، فأمرني أن أجلس بجواره. لا أعلم يا “عامر” كيف نطيع هذا الرجل دون أي تفكير؟
أخبرني أن ابن خالتي كان من المفترض أن يرسل إليه إيصالًا، يؤكد استلامه لقيمة الإيجار الشهري للمحل التجاري، ولكن ابن خالتي لم يفعل، فاتصلت به وطلبت منه الحضور.
أقسم “مازن” ابن خالتي أنه أرسله إليه عبر تطبيق المحادثة “الواتساب”، قبل أن ترتسم على شفتي السيد “عبد القادر” ابتسامة أعرفها وتعرفها يا “عامر”، ويقول: جيل متهور! ألا تعرفان أن هذا التطبيق تسبب في الحرب بين الهند وباكستان؟!.
تبادلت أنا ومعاذ الضحك في الهاتف لثلاث دقائق تقريبًا، خاصة بعد أن وصف لي تعبيرات وجه ابن خالته “مازن” الذي لم يعتد هذه القصص، فظل فمه مفتوحًا في بلاهة وهو ينظر للسيد “عبد القادر”.
تابع الأخير حديثه في ثقة، رأي ضابطًا هنديًا بعض الأشخاص يتسللون عبر الحدود، فراسل قائده مطالبًا إياه بمنحه الإذن بالتعامل، وكانت الشفرة المتفق عليها مكونه من ملصقات، كل واحد منها بمعنى، الأول مثلًا للتعامل مع الهدف، والثاني لإعلان الحرب، والثالث للهدوء وهكذا.
كان القائد يريد الهدوء، ولكنه أرسل بالخطأ ملصق إعلان الحرب، فبدأ الجنود من الهند بإرسال الصواريخ تباعًا على أهداف باكستانية، ولولا ستر الله لاندلعت حرب نووية، وأنت تريدني أن احتفظ بالواتساب على هاتفي بعد هذا كله؟!
صوت ضحكي وأنا أجلس على الرصيف في وسط “لندن” جعل الناس يعتقدون أني في مرحلة متأخرة من الثمالة، بينما كان “معاذ” يخبرني أنه أخذ الهاتف من يد ابن خالته الذي كان يحدق في اللاشيء يحاول استيعاب ما يحدث، وقام بإرسال الإيصال إلى رقمه الخاص ثم طبعه وأعطاه للعم عبد القادر.
قبل أن يقوم بإيصال “مازن” إلى منزله، خوفًا من أن يضل الرجل الطريق بعد ما سمع، والسؤال الذي طرحته على “معاذ” الآن، “ما دور الوسوم على منصة إكس في التصعيد العسكري في كمبوديا؟” لعل السيد “عبد القادر” يعرف الإجابة.