المهند إسلام
“تتهيأ في أجمل ثيابك،
تسير بلا وجهة محددة،
إلى العمل.. أو ربما إلى المقهى،
لا يهم ذلك، طالما أنت..
شابًا، وعاشقًا.”
كانت ألحان لانا تدندن في أذنها،
بينما كانت تستعد لفتح إحدى الأوراق المطوية لتقرأها،
وجدتهم داخل ملحمة ألفريد تينيسون الشعرية،
“أناشيدُ الملك”،
في مكتبة جامعتها،
جامعه أكسفورد العريقة،
بلندن.
اعتادت القراءة في أدب الرسائل،
من رسائل “لورد بايرون” وحتى “رسائل إلى ميلينا”،
لكنها ولأول مرة تجد رسائل حقيقية،
ملموسة لأول مرة ربما،
ممزقة،
ربما قُرأت،
وربما لا،
مكتوبة بحبر أسود،
وخطِ يد يدل على أنه خط امرأة،
مرسلٌ إلى شخصٍ مجهول،
في عام مفصول.
“…لن أنسى أبدًا كيف تقابلنا،
سرعة سيارتك المتهورة المندفعه تجاهي،
ثم وقوفك المفاجئ،
حتى انتهى بيّ الأمر مبللة بالماء.
لن أنسى أبدًا كيف فتحت لي جانبك المتواضع،
نأكل الكباب في عربة…”
شعرت وهي تتفحصُ الرسالة المقطوعه ببعض الفضول،
عن قصة الحب تلك التي بدأت كأفلام المراهقات،
والحياة الوردية،
وتسائلت عن كيف انتهى بهم الأمر،
فلربما تستلهم من البطلين قصة لرواية جديدة.
تركت الرسالة سريعاً لتفتح أخرى،
“إلى أمي”
لا ليس هذا
“١٧ من شهر آب
إلى صديقتي العزيزه”
ليس هذا أيضًا،
ظلت تعبث في الرسائل التي جمعتها ولم تجد بقية قصة حب هذه الفتاة الغامضة،
تركت كل ما في يدها،
وارتدت ملابس الخروج مسرعة،
وذهبت حيث وجدت الورقة أول مرة،
“أناشيد الملك”
استعارت الملحمة الشعرية من المكتبة،
وعادت تتفحص بقية الرسالة،
كانت الأوراق ممزقة،
قطعت إلى أشلاء،
واستطاعت بعد محاولات كثيرة جمعها،
لتكون تلكَ هي النتيجة.
“ذهبتُ لمدة عام،
لأتعلم تاريخ الأدب البريطاني،
والمسرحيات،
والشعر.
لم أكن أعلم،
أنه لن أستطيع تعلمُ القصائد أبدًا،
حتى أعيشُ في قصيدتي الخاصة،
وأمتلكها.
أتعلمُ ذلك الشعور،
حين يكون كل شيء يسير في الخطة،
حتى يحدثُ شيء يغير مسار الخطة بأكملها؟
هذا ما حدث معي،
معنا.
كان لدي مستقبلُ خاص،
بلا شوائب،
أدرس، أتخرج، أعمل،
لكن كل شيء تهدم.
أتعلمُ ما هي مشكلة البدايات؟
هي أنها دائمًا مبهمة،
غامضة،
لا تعلمُ فيها النهاية،
ولا يمكنك أن تتوقعها؛
فإن توقعتها،
سيحدثُ عكسها.
ولأنني لم أتوقع شيئًا.. حدث كل شيء.
لن أنسى أبدًا كيف تقابلنا،
سرعة سيارتك المتهورة المندفعه تجاهي،
ثم وقوفك المفاجئ،
حتى انتهى بيّ الأمر مبللة بالماء.
لن أنسى أبدًا كيف فتحت لي جانبك المتواضع،
نأكل الكباب في عربة رديئة بجانب الجامعه،
لن أنسى مقابلاتنا في المكتبة،
وتحدثنا عن القصائد والأدب.
“رغم أن الكثير قد فُقِد، فالكثير لا يزال باقياً.”
هكذا أذكر نفسي كل يوم بكلمات تينيسون،
الذي اعتدنا القراءة له سويًا.
أذكر نفسي أنني فقدتك،
لكنني لم أفقد ما حلمنا به معًا.
لقد وعدتني أننا سنذهب في جولة كبرى لجميع أنحاء العالم،
ولكن ها أنا ذا،
أجلس وحدي على طول القناة،
“قناة المرآية”،
أحتسي الكاكاو الساخن،
وأكتبُ لكَ كما وعدتك،
أو كما وعدتُ نفسي.
وأتأملُ الكنيسة الخفية في امستردام،
متظاهرةٌ أنك لم تمت.
ثم أبحر في قنوات البندقية،
متمنيةٌ أن تكون على قيد الحياة،
وتبحر معي.
ألتقط صورة وأنا ثملة،
بجانب نهر السين،
بينما أتذكرُ جميع لحظاتنا معًا،
قبل أن أعلم،
أنك مريضُ سرطان.
أجلسُ أمام معبد بوسيدون،
وجهي للبحر،
وروحي في السماء،
وقلبي الغاضب في التراب،
وندمي على كل لحظة لم أعلم فيها أنك ستتركني،
يرقد بين كل خلايا جسدي،
ينبض بين كل رعشة في يدي،
يصرخ،
بين كل مقطوعه شعرية أقرأها،
ومتمنيًا،
لو أنك لم تظهر أبدًا…”
ظلت الفتاة حائرة،
لم تجد بقية الرسالة،
ويبقا سر وجود الرسالة في مكتبة الجامعة مبهمًا،
للفتاة ربما،
فلم تكن تعلم،
أن صاحبة الرسالة.. هي معلمة الأدب خاصتها،
وأنها عادت،
بعد رحلة طويلة،
عالقة في الذكريات،
وفي قصة حب لم تكتمل.
واختتمت لانا مقطوعتها قائلة،
” كل ما أردته كان أن أكون حرة، لكنني سجينة بِحُبك.”