✍️ يوحنا عزمي
في نهاية عام 2025 يبدو المشهد الدولي وكأنه خريطة واسعة من خطوط النار المتشابكة ، صراعات تتحرك في توقيت واحد لكن على مستويات مختلفة ؛ بعضها يضرب بشكل مباشر، وبعضها يعيش في حالة توتر مستمر، وبعضها الآخر ينتظر شرارة صغيرة ليشتعل من جديد.
العالم لا يخوض حربًا عالمية واحدة ، لكنه يعيش حالة “حروب موزعة”، حيث كل أزمة تُغذي الأخرى، وكل ساحة تُغير توازنات ساحة أخرى ، حتى بات المشهد شبيهًا بلوحة متداخلة لا يمكن فصل خيط عن آخر دون أن يتأثر باقي النسيج.
في الشرق الأوسط ، تبقى القضية الفلسطينية في قلب البركان؛ صراع مفتوح بين إسرائيل والفلسطينيين يتجدد بوجوه مختلفة ، من حرب مستمرة في غزة إلى تضييق عنيف في الضفة وتوسع استيطاني يشبه إعادة رسم الخرائط على الأرض.
وعلى حدود لبنان ، لا تزال المواجهة بين إسرائيل وحزب الله تدور بحذر شديد ؛ ضربات متبادلة لا تريد الأطراف أن تتطور إلى حرب أكبر ، لكنها تظل قابلة للانفجار لو اختلت أي معادلة من معادلات الردع.
أما العلاقة بين إسرائيل وإيران فتمثل أكثر خطوط التماس تعقيدًا ، إذ تتحول سوريا والعراق واليمن إلى ساحات اشتباك بالوكالة ، بينما تبقى الفكرة الأساسية واحدة : منع إيران من امتلاك قدرة نووية يمكن أن تقلب موازين المنطقة.
في اليمن ، يتعمق الانقسام ، شمال بيد الحوثيين وجنوب بيد المجلس الانتقالي، فيما تحولت البلاد إلى منصة ضغط استراتيجية عبر البحر الأحمر ، حيث تتداخل مصالح دول عديدة في واحدة من أهم الممرات البحرية عالميًا.
سوريا ، بعد وصول أحمد الشرع للحكم ، خرجت من حالة الجمود الطويل إلى مرحلة انتقالية مليئة بالقلق ؛ تأسيس نظام جديد، إعادة ترتيب الفوضى الأمنية، ومحاولة تثبيت مؤسسات متصدعة ، كل ذلك يحدث تحت أعين إسرائيل التي تراقب بقلق، وتترجم مخاوفها إلى ضربات وقائية تريد من خلالها منع تشكل تهديد جديد قرب حدودها.
العراق بدوره يعيش توترًا مزدوجًا بين الدولة المركزية وفصائل مسلحة متصلة بدرجة أو بأخرى بإيران ، فيما يظل الوجود الأمريكي المحدود عاملًا إضافيًا يزيد حساسية المشهد ويمنع انزلاق البلاد إلى صراع أوسع بين واشنطن وطهران.
وفي ليبيا ، لا يزال الهدوء السائد مجرد غطاء هش فوق احتقان كبير؛ انقسام سياسي، تحشيد عسكري، وتنافس دولي على النفط يجعل ليبيا أقرب إلى “جمر تحت الرماد”، وأي اشتعال فيها ينعكس مباشرة على الوضع الأمني المصري.
في أوروبا وفضاء الإتحاد السوفيتي السابق ، ما زالت الحرب بين روسيا وأوكرانيا مستمرة دون قرار نهائي؛ روسيا تسيطر على مساحات واسعة لكنها لم تحسم، وأوكرانيا تقاتل بدعم غربي لا يريد أن يتحول دعمًا مباشرًا يدفع إلى مواجهة مفتوحة مع موسكو.
علاقة روسيا مع الناتو تشهد سباق ردع واضح ، تحركات عسكرية ، مناورات ، وضغط سياسي ، بينما يظل شبح سوء التقدير حاضرًا بقوة.
وفي البلقان ، تستمر التوترات بين صربيا وكوسوفو وسط محاولات أوروبية – أمريكية لإبقاء الصراع تحت السيطرة، أما أرمينيا وأذربيجان فلا تزال أزمتهما قائمة رغم توقف القتال ، لأن جذور الأزمة لم تُحل سياسيًا بعد.
جورجيا ، هي الأخرى تعيش حالة صراع مجمد مع روسيا بشأن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، صراع لا يندلع ولا ينتهي.
في الأمريكتين ، يتواصل الشد والجذب بين فنزويلا والولايات المتحدة ، حيث تقود واشنطن حربًا اقتصادية عبر العقوبات، بينما تتمسك كاراكاس بالسلطة وتلوح بورقة النفط كلما اشتد الضغط.
أما الصراع الأكبر عالميًا فيكمن في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ؛ مواجهة صامتة لكنها شاملة ، تمتد من التجارة إلى التكنولوجيا إلى النفوذ العسكري، وتظهر بوضوح في ملفات تايوان وبحر الصين الجنوبي وسلاسل الإمداد ، دون أن تصل إلى صدام مباشر حتى الآن.
وفي أمريكا الجنوبية يبرز الخلاف بين فنزويلا وجويانا حول إقليم إيسيكويبو كأحد أخطر النزاعات الحدودية الحديثة ، لأنه مرتبط بكنز نفطي ضخم قد يحدد مستقبل المنطقة.
وفي المكسيك ، تتواصل الحرب الداخلية بين الدولة وكارتلات المخدرات التي تحولت إلى كيانات شبه موازية تسيطر على مناطق كاملة، بينما تعيش هايتي انهيارًا شاملًا للدولة وصراعًا بين عصابات مسلحة بلا رادع حقيقي.
أما في آسيا ، فيظل الصراع بين الصين وتايوان القنبلة الأخطر ؛ الصين ترى الجزيرة جزءًا من أراضيها، والولايات المتحدة تدعم تايبيه في مواجهة الضغط الصيني، ما يجعل هذه البؤرة واحدة من أكثر النقاط حساسية على مستوى العالم.
وبالتوازي تتوسع الصين في بحر الصين الجنوبي ما يخلق مواجهة دائمة مع الفلبين وفيتنام وسط حضور أمريكي واضح. وعلى الجانب الآخر ، يستمر الخصام التاريخي بين الهند وباكستان حول كشمير، توتر دائم بين قوتين نوويتين، يخف مرة ويشتد مرات أخرى.
وفي ميانمار ، الحرب الأهلية الشرسة بين الجيش وقوى معارضة وعرقية تمزق البلاد وتتركها على حافة التفكك.
وتركيا ، بدورها تخوض حربًا مستمرة عبر الحدود مع حزب العمال الكردستاني داخل العراق وسوريا، ما ينعكس مباشرة على سيادة الدولتين واستقرار المنطقة.
أما أفغانستان ، فباتت ساحة مفتوحة لتهديد تنظيم داعش– خراسان الذي ينفذ عمليات مؤثرة داخل البلاد وخارجها رغم سيطرة طالبان.
وفي إفريقيا ، يقف السودان في قلب واحدة من أعنف الحروب المعاصرة ، بين جيش وطني يرى نفسه مسؤولًا عن حماية الدولة ، وقوة متمردة مسلحة تستقوي بالخارج وتسعى للسيطرة بالقوة والنهب وخلق واقع انفصالي يهدد وحدة البلاد.
وفي الكونغو الديمقراطية ، تستمر واحدة من أكثر الحروب تجاهلًا رغم خطورتها ؛ صراع تقوده حركة M23 بدعم رواندي غير معلن ، لكنه في العمق صراع على الكوبالت والمعادن النادرة التي تمثل عصب التكنولوجيا الحديثة. وفي الساحل الإفريقي ، تهتز المنطقة تحت وقع انقلابات وصراعات بين أنظمة عسكرية جديدة وجماعات مسلحة في ظل تراجع الدور الغربي وصعود لاعبين دوليين آخرين.
كما تواصل الصومال حربها الطويلة مع حركة الشباب ، بينما تواجه إثيوبيا صراعًا جديدًا في إقليم أمهرة بين الحكومة وميليشيات فانو، وهو صراع يمتد أثره إلى القرن الإفريقي وملف سد النهضة.
وفي النهاية ، يقف العالم في ديسمبر 2025 أمام خريطة معقدة من الصراعات ، بعضها يشتعل فوق الأرض وبعضها يدور في الظل، لكن ما يجمعها جميعًا هو أنها مترابطة بشكل يجعل أي اضطراب في بؤرة واحدة قادرًا على إشعال أكثر من جبهة في لحظة واحدة، ليبقى العالم كله في حالة ترقب دائم لشرارة يمكن أن تغيّر كل شيء.




